كل واحد من المعنيين موضوع له باعتبار وضع اللفظ لذلك المعنى ، وغير الموضوع له باعتبار وضعه للمعنى الآخر ، فلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز ، وهو لا يجوز عند الإمام الأعظم ، فبطل استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد. هذا خلاصة ما في التوضيح والتلويح وحاشية المبين (١) والحسن على السلّم (٢).
فائدة :
إذا دار اللفظ بين أن يكون مشتركا أو مجازا كالنّكاح ، فإنه يحتمل أن يكون حقيقة في الوطء مجازا في العقد ، وأنه مشترك بينهما ، فليحمل على المجاز لأنه أقرب.
فائدة :
جوّز الشافعي وأبو بكر الباقلاني وبعض المعتزلة كالجبائي وعبد الجبار (٣) وغيرهم أن يراد بالمشترك كلّ واحد من معنييه أو معانيه بطريق الحقيقة إذا صحّ الجمع بينهما ، كاستعمال العين في الباصرة والشمس ، لا كاستعمال القرء في الحيض والطهر معا ، إلاّ أنّ عند الشافعي وأبي بكر متى تجرد المشترك عن القرائن الصارفة إلى أحد معنييه أو معانيه وجب حمله على جميع المعاني كسائر الألفاظ العامة ، وعند الباقين لا يجب ، فصار العام عندهم قسمين : قسم متفق الحقيقة وقسم مختلفها ، وعند بعض المتأخرين يجوز إطلاقه عليهما مجازا حقيقة.
وعند الحنفية وبعض المحققين وجميع أهل اللغة وأبي هاشم وأبي عبد الله البصري (٤) يصح ذلك لا حقيقة ولا مجازا.
الاشتقاق : [في الانكليزية] Derivation ـ [في الفرنسية] Derivation
عند أهل العربية يحدّ تارة باعتبار العلم ، كما قال الميداني (٥) : هو أن تجد بين اللفظين تناسبا في أصل المعنى والتركيب ، فتردّ أحدهما إلى الآخر ؛ فالمردود مشتق والمردود إليه مشتق منه. وتارة باعتبار العمل كما يقال : هو أن تأخذ من اللفظ ما يناسبه في التركيب فتجعله دالا على معنى يناسب معناه ؛ فالمأخوذ مشتق والمأخوذ منه مشتق منه ، كذا في التلويح في التقسيم الأول. مثلا الضارب يناسب الضرب في الحروف والمعنى ، وقد أخذ منه بناء على أن الواضع لما وجد في المعاني ما هو أصل تتفرع منه معان كثيرة بانضمام زيادات إليه عيّن بإزائه حروفا وفرّع منها ألفاظا كثيرة بإزاء المعاني المتفرعة على ما تقتضيه رعاية المناسبة بين الألفاظ والمعاني ، فالاشتقاق هو هذا الأخذ والتفريع ، لا المناسبة المذكورة ، وإن كانت ملازمة له فالاشتقاق عمل مخصوص ، فإن
__________________
(١) حاشية المبين على سلم العلوم في المنطق لمحب الله البهاري. طبع بهامش المتن ، لكناهور ١٢٩٠ ه. اكتفاء القنوع ، ٢٠٥.
(٢) حاشية الحسن على السلم للمنلا حسن وهي حاشية على كتاب سلم العلوم في المنطق لمحب الله البهاري. طبع بهامش المتن في لكناهور ١٩٠ ه. اكتفاء القنوع ٢٠٥.
(٣) القاضي عبد الجبار هو عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني الأسدآبادي ، أبو الحسين. توفي بالري عام ٤١٥ هـ / ١٠٢٥ م. قاض ، أصولي ، من شيوخ المعتزلة الكبار. لقب بقاضي القضاة ، وله تصانيف كثيرة. الاعلام ٣ / ٢٧٣ ، الرسالة المستطرفة ١٢٠ ، طبقات السبكي ٣ / ٢١٩ ، لسان الميزان ٣ / ٣٨٦ ، تاريخ بغداد ١١ / ١١٣ ، طبقات المعتزلة ١١٢.
(٤) أبو عبد الله البصري هو الحسين بن علي بن ابراهيم ، أبو عبد الله الملقّب بالجعل الكاغدي. ولد في البصرة عام ٢٨٨ هـ / ٩٠٠ م وتوفي ببغداد عام ٣٦٩ هـ / ٩٨٠ م. فقيه ، من شيوخ المعتزلة ، اشتغل بالتدريس وكان له شهرة واسعة. له عدة مؤلّفات هامّة. الاعلام ٢ / ٢٤٤ ، المنتظم ٧ / ١٠١ ، شذرات الذهب ٣ / ٦٨ ، الإمتاع والمؤانسة ١ / ١٤٠.
(٥) الميداني : هو أحمد بن محمد بن أحمد بن ابراهيم الميداني النيسابوري ، أبو الفضل. ولد بنيسابور وفيها توفي عام ٥١٨ هـ / ١١٢٤ م. أديب ، باحث لغوي. له عدة مؤلفات. الاعلام ١ / ٢١٤ ، وفيات الأعيان ١ / ٤٦ ، انباه الرواة ١ / ١٢١ ، آداب اللغة ٣ / ٤٥ ، بغية الوعاة ١٥٥ ،