للمشبّه به فيكون الاستعارة في اللاّم تبعا للاستعارة في المجرور.
ثم اعلم أنّ الاستعارة في الفعل على قسمين : أحدهما أن يشبّه الضرب الشديد مثلا بالقتل ويستعار له اسمه ثم يشتق منه قتل بمعنى ضرب ضربا شديدا ، والثاني أن يشبّه الضرب في المستقبل بالضرب في الماضي مثلا في تحقق الوقوع فيستعمل فيه ضرب فيكون المعنى المصدري أعني الضرب موجودا في كلّ من المشبّه والمشبّه به ، لكنه قيّد في كل واحد منهما بقيد مغاير للآخر فصحّ التشبيه لذلك ، كذا أفاده المحقق الشريف (١). لكن ذكر العلامة عضد الملة (٢) والدين في الفوائد الغياثية (٣) أنّ الفعل يدلّ على النسبة ويستدعي حدثا وزمانا ، والاستعارة متصوّرة في كلّ واحد من الثلاثة ، ففي النسبة كهزم الأمير الجند ، وفي الزمان كنادى أصحاب الجنّة ، وفي الحدث نحو فبشّرهم بعذاب أليم ، انتهى ؛ وذلك لأن الفعل قد يوضع للنسبة الإنشائية نحو اضرب وهي مشتهرة بصفات تصلح لأن يشبه بها كالوجوب ، وقد يوضع للنسبة الإخبارية وهي مشتهرة بالمطابقة واللامطابقة ، ويستعار الفعل من أحدهما للآخر كاستعارة رحمهالله لا رحمه ، واستعارة فليتبوّأ في قوله عليهالسلام «من تبوّأ عليّ الكذب فليتبوّأ مقعده على النار» (٤) للنسبة الاستقبالية الخبرية فإنه بمعنى يتبوّأ مقعده من النار ، صرّح به في شرح الحديث ، وردّه صاحب الأطول بأنّ النسبة جزء معنى الفعل فلا يستعار عنها ، بخلاف المصدر فإنه لا يستعار من معناه الفعل بل يستعار من معناه نفس المصدر ويشتق منه الفعل ، ولا يمكن مثله في النسبة ، فالحقّ عدم جريانها في النسبة كما قاله السيد السّند.
فائدة :
قال الفاضل الچلپي : القوم إنما تعرّضوا للاستعارة التبعية المصرّحة ، والظاهر تحقق الاستعارة التبعية المكنيّة كما في قولك : أعجبني الضارب دم زيد ، ولعلهم لم يتعرضوا لها لعدم وجدانهم إياها في كلام البلغاء.
فائدة :
لم يقسموا المجاز المرسل إلى الأصلي والتبعي على قياس الاستعارة لكن ربما يشعر بذلك كلامهم. قال في المفتاح : ومن أمثلة المجاز قوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) (٥) استعمل قرأت مكان أردت القراءة لكون القراءة مسبّبة من إرادتها استعمالا مجازيا ، يعني استعمال المشتقّ بتبعية المشتقّ منه ، كذا في شرح بعض رسائل الاستعارة.
الخامس باعتبار المقارنة بما يلائم شيئا
__________________
(١) الجرجاني : هو علي بن محمد بن علي ، المعروف بالشريف الجرجاني. ولد قرب استراباد عام ٧٤٠ هـ / ١٣٤٠ م. ومات بشيراز عام ٨١٦ هـ / ١٤١٣ م. فيلسوف ، من كبار علماء العربية. له أكثر من خمسين مصنّفا. الأعلام ٥ / ٧ ، الفوائد البهية ١٢٥ ، مفتاح السعادة ١ / ١٦٧ ، دائرة المعارف الإسلامية ٦ / ٣٣٣ ، الضوء اللامع ٥ / ٣٢٨ ، آداب اللغة ٣ / ٢٣٥.
(٢) عضد الدين الإيجي : هو عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار ، أبو الفضل ، عضد الدين الإيجي. توفي عام ٧٥٦ هـ / ١٣٥٥ م. مسجونا بقلعة كرمان. عالم بالأصول والمعاني والعربية والكلام. له تصانيف هامة. الاعلام ٣ / ٢٩٥ ، بغية الوعاة ٢٩٦ ، مفتاح السعادة ١ / ١٦٩ ، الدرر الكامنة ٢ / ٣٢٢ ، طبقات السبكي ٦ / ١٠٨.
(٣) الفوائد الغياثية (معاني وبيان) لعضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي (ـ ٧٥٦ هـ) كشف الظنون ٢ / ١٢٩٩. أسماء الكتب ٢٢٩.
(٤) أخرجه مسلم في الصحيح ، ١ / ١٠ ، عن أبي هريرة ، المقدمة ، باب تغليظ الكذب على رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢) ، حديث رقم ٣ / ٣ ، بلفظ : «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار».
(٥) النحل / ٩٨.