ثبوته [له] (١) بواسطة انتهائه وانقطاعه ، وكذلك الخط للسطح والنقطة للخط ، وصرّحوا بأنّ الألوان ثابتة للسطوح أولا وبالذات ، مع أنّ هذه الأعراض قد فاضت على محالها من المبدأ الفيّاض (٢) ، وعلى هذا فالمعتبر فيما يقابل العرض الأولي ، أعني سائر الأقسام ، ثبوت الواسطة في العروض.
وإن شئت الزيادة على ما ذكرنا فارجع إلى شرح المطالع وحواشيه وغيرها من كتب المنطق.
فائدة
قالوا يجوز أن تكون الأشياء الكثيرة موضوعا لعلم واحد ، لكن لا مطلقا بل بشرط تناسبها ، بأن تكون مشتركة في ذاتي كالخط والسطح والجسم التعليمي للهندسة ، فإنها تتشارك في جنسها وهو المقدار ، أو في عرضي كبدن الإنسان وأجزائه والأغذية والأدوية والأركان والأمزجة ، وغير ذلك إذا جعلت موضوعات للطب ، فإنها تتشارك في كونها منسوبة إلى الصحة التي هي الغاية القصوى في ذلك العلم.
فائدة
قالوا الشيء الواحد لا يكون موضوعا للعلمين ، وقال صدر الشريعة (٣) هذا غير ممتنع ، فإنّ الشيء الواحد له أعراض متنوعة ، ففي كل علم يبحث عن بعض منها ، ألا ترى أنهم جعلوا أجسام العالم وهي البسائط موضوع علم الهيئة ، من حيث الشكل ، وموضوع علم السماء والعالم ، من حيث الطبيعة ، وفيه نظر. أمّا أولا فلأنهم لمّا حاولوا معرفة أحوال أعيان الموجودات وضعوا الحقائق أنواعا وأجناسا ، وبحثوا عمّا أحاطوا به من أعراضها الذاتية ، فحصلت لهم مسائل كثيرة متّحدة في كونها بحثا عن أحوال ذلك الموضوع ، وإن اختلفت محمولاتها فجعلوها بهذا الاعتبار علما واحدا ، يفرد بالتدوين والتسمية ، وجوّزوا لكل أحد أن يضيف إليه ما يطّلع عليه من أحوال ذلك الموضوع ؛ فإنّ المعتبر في العلم هو البحث عن جميع ما تحيط به الطاقة الإنسانية من الأعراض الذاتية للموضوع ، فلا معنى للعلم الواحد إلاّ أن يوضع شيء أو أشياء متناسبة فيبحث عن جميع عوارضه ، ولا معنى لتمايز العلوم إلاّ أنّ هذا ينظر في أحوال شيء ، وذلك في أحوال شيء آخر مغاير له بالذات أو بالاعتبار ، بأن يؤخذ في أحد العلمين مطلقا وفي الآخر مقيّدا أو يؤخذ في كل منهما مقيّدا بقيد آخر ، وتلك الأحوال مجهولة مطلوبة ، والموضوع معلوم بيّن الوجود وهو الصالح سببا للتمايز. وأمّا ثانيا فلأنه ما من علم إلاّ ويشتمل موضوعه على أعراض ذاتية متنوّعة ، فلكل أحد أن يجعله علوما متعددة بهذا الاعتبار ، مثلا يجعل البحث عن فعل المكلّف من حيث الوجوب علما ، ومن حيث الحرمة علما آخر ، إلى غير ذلك فيكون الفقه علوما متعددة موضوعها فعل المكلّف ، فلا ينضبط الاتحاد والاختلاف.
__________________
(١) له (+ م ، ع).
(٢) المبدأ الفياض : أطلقه المسلمون على الله عزوجل والفلاسفة على العقل الأول أو العقل الفعّال ، وله مصطلح في الكشاف.
(٣) صدر الشريعة هو عبيد الله بن مسعود بن محمود بن أحمد المحبوبي البخاري الحنفي ، صدر الشريعة الأصغر ابن صدر الشريعة الأكبر. توفي في بخاري حوالي عام ٧٤٧ هـ / ١٣٤٦ م. من علماء الحكمة والأصول والفقه والطبيعيات. له الكثير من المؤلفات. الأعلام ٤ / ١٩٧ ، الفوائد البهية ١٠٩ ، مفتاح السعادة ٢ / ٦٠ ، المكتبة الأزهرية ٢ / ٢٤ ، سركيس ١١١٩.