ـ ٩ ـ
ما قلَّ تخوُّف الإمام عليٍّ مِن وصول
الحُكم إلى عثمان بن عفَّان ، ولقد تكشَّف لأهل البيت سوء النيَّة التي عالج بها
عمر بن الخطاب قضيَّة الخلافة. لم تكن التقوى ، ولا الغيرة على الرسالة ، هما
الدافعتاه إلى الاهتمام بأُمور المسلمين ، ولكنَّه تسربل بهما ومشى قُدَّاماً ـ
كما يتبيَّن لنا مِن التحليلات السابقة ـ إلى التطبيق ، وكانت الخلافة الأُولى
لأبي بكر ، ورُدَّت إليه في الثانية ، حتَّى كانت الثالثة هذه في إيصالها إلى
عثمان ، فتكشَّفت بها المُخطَّطات عن المقاصد الموجَّهة بأحكام ضِدِّ أهل البيت ، في
إبعادهم عن الحُكم وامتهانهم ، وإضعاف مركزهم الاجتماعيِّ وتذليلهم ما أمكن ، حتَّى
إذا تكون إبادتهم مُمكنة ، فلا تحرُّج مِن ذلك. إنَّنا نعلم ، والتاريخ أيضاً يعلم
، كمْ هي مُجرمة حزازات تلك الأيَّام ، التي كان الإسلام جاهداً في تخليص المُجتمع
من همجيَّتها ، لقد كانت هنالك المُنافسات الحاقدة ، لا تتورَّع عن مَدِّ الأيدي
إلى صدر المَغدور ونشل الكبد منه ، ونهشها بالأسنان!!! إنَّها مشهورة في التاريخ
تلك المرأة ، وما أنف التخلُّص مٍن ذكر اسمها ، إنَّها آكلة الأكباد!!!.
ها هو عثمان بن عفَّان لا يتلابق مثل
عمر ، ولا يقدر مثله أن يتداهى ، بلْ إنَّه يذهب رأساً إلى الغرض المقصود والمدروس
والمدسوس : هل يجوز أنْ يكون في الحُكم ، أو في أيِّ مركز مرموق مِن وظائف الدولة
، رجل طالبيٌّ ، أو أيٌّ مِمَّن يمتُّ بصِلَة إليهم؟! لا بلْ فليُضطهد الرجل أوْ
فليُنكَّل به ، أو فليذوَّب في حرارة الشمس ، أو فليُنفَ إلى الربذة ، كما فُعِل
بأبي ذر الغفاري ، وبغيره مِن الأعلام والأبرار! هنالك تنتهي قضيَّة المَنفيِّ ، إنْ
لم يكن بقساوة الحِرمان ، فبرَداءة شمس المكان.
ما كانت خلافة عثمان بن عفَّان إلاَّ
حُكما إرهابيَّاً جائراً ومُعالجَاً بدقَّة وقصد ، إنَّه التمهيد الفنِّي الكبير
الموصل الأمويِّين إلى هذه الدسوت : دَسْت القوَّة والمَناعة ، دَسْت الغنى
والنفوذ ، دَسْت السياسة والتسلُّط ، دَسْت الخلافة والتبرُّج بها لتكون لُعبة مِن
لُعب المُلوك.