والصواب ، فالمجلس
الاستشاري ـ والحالة هذه ـ هو في استدعاء أقطاب مُمثِّلين لذلك المُجتمع ، لاستشارتهم
في استخراج آرائهم مِن واقعهم الاحتكاكي بكلِّ التيَّارات المعيشيَّة الحياتيَّة ،
التي تتناول شؤونهم اليوميَّة والمُستمرَّة بهم مِن يومٍ إلى يومٍ ، إلى كلِّ يوم
آخر يكون منه جَلاء حقِّهم في العيش ، والحياة والاستمرار في الوجود المُجتمعي
الإنسانيِّ الكريم. ستكون حُرِّيَّة الرأي ، وحُرِّيَّة إبدائه ، مُزدانة بالعلم ،
والفهم والمعرفة ، شرطاً أساسياً موفوراً للجميع ، وسيكون ـ بالحقيقة ـ مجلس
الأُمَّة جمعاء ، ومؤلَّفاً مِن نُخبة تشمل المُجتمع في التمثيل ، ولن يكون
مؤلَّفاً من سِتَّة أنفار فقط ، بلْ مِن النسبة العدديَّة بالمآت ، وعندئذ يكون
تقرير المصير بانتخاب وليٍّ يُشرف على إدارة الحُكم والتوجيه في مَحلٍّ مِن الوضوح
والإيجاب.
مِن هنا ، إنَّ المُجتمع الذي راح يدرج
إلى مثل هذه السويَّة بين يدي نبيِّهم الخلاَّق ، ما كان له أنْ يزحف هذا الزحف
المُبارك إلى مثل هذه النعمة التي لا يُحقِّقها ويوسِّعها الاَّ المِران والوقت ، وغزارة
العلم والمعرفة ، في ظِلِّ وحدة قاسية الإحاطة ، مُبعَّدة عن كلِّ ما يُحرِّك فيها
جيشاناً يردُّها إلى المهاوي التي كانت تتلقَّفها في الأمس الدابر ، مِن حَرَّةٍ
إلى حَرَّة ، ومِن حُفرة إلى حُفرة ، وكلُّها كانت بين يدي قبليَّاتها العقيمة ، جديرة
بالوأد.
إنَّ استدعاء الأُمَّة إلى جلسات
استشاريَّة مِن النوع المُنوَّه عنه ، سيتحقَّق في مُجتمع الجزيرة بعد أنْ ترتفع
سويَّته إلى مثل هذا المجال ، وعندئذ فإنَّ الإمامة التي راح يُهيِّؤها لها النبي
الكريم البعيد النظر ، لقطع مراحل وافية مِن العُمر ، وبمَثابة إعدادٍ واقٍ لها
مِن العِثار ، تُصبِح تلقائيَّاً ثقافتها العامَّة الموحَّدة ، وتلك ـ لعمري ـ
تكون اندماجيَّة سويَّة بسويَّة ، بقيت تُجمَّع وتوحِّد الأُمَّة ، إلى أنْ بلغت
بها درجة تجعلها رائدة وموجَّهة لأُمَم الأرض ، وتلك هي الأُمَّة المُتطوَّرة ـ
عندئذ ـ في حساب النبي الكريم ، الذي أعلن أنَّه سيُباهي بها أُمَم الأرض.
لست أرى ـ أردف الإمام ـ أنَّ عمر بن
الخطاب كان يفهم كيف يُعالج الأُمَّة