مع ولديه الإمامين ؛ تمتيناً لثقافتيهما في تعميق الفَهم وجَلوته عن طريق المُشاركة في الرأي ، والإفاضة في التعمُّق والإدراك ، والتحسُّب في مُعالجة القضايا المصيريَّة الذاتيَّة مِن جهة ، والاجتماعيَّة المُهمة مِن جِهة أُخرى ، لقد كان الإمام بصيراً أمام حقيقة ذاته ، وأمام الحقيقة الأُخرى التي هي قيمة وجوديَّة تتمنطق بها ذات الانسان.
أمَّا مجلس الشورى الذي ابتكره عمر ، فإنَّه لا يتطلَّب شيئاً يذكر مِن العَناء ، إنَّه ليس دستوراً مُعزَّزاً ببنود ، فهو نظام بِدائي صِبياني الترتيب ، هزلي الإخراج ، لا ابتكار فيه ولا بُعد نظر ، إنَّه مؤلَّف مِن ستَّة ، معروضين عرضاً رخيصاً على كرسيِّ الخلافة ، دون أنْ يسبقهم أيَّ تقديم مقصودٍ أو مجَّانيٍّ ، لا عن الكرسيِّ ذاته المؤهَّل للجلوس فيه ، وكيف يجب أنْ تكون قوائمه أو قاعدته ، أو لونه ودهانه ... ولا عن المُعدِّين لاعتلائه ، بأيِّ صفات عليهم أنْ يكونوا مُتحلِّين ، جُلُّ ما في الأمر ، أنَّ على المَجلس أنْ يجمعهم للتشاور في ما بينهم : أيُّهم هو المُستحقُّ أنْ يضع رجليه على الدرجات الموصِلة إلى المركز السَّنِي.
هنالك مُقرَّر واحد موجود معهم ، وهو مِن ضمنهم مرشَّح للوصول ، كأنَّه مَلِك مِن حِجارة الشطرنج ، يُمكنه ـ إذا أراد أنْ يقفز ويتربَّع في الخانة التي يُريد ـ هذا إذا صدقت العزيمة ـ ، ويُمكنه أيضاً أنْ يستنيب عنه مَن يرتئي ، فيُحلَّه في المركز المقصود. لقد كان كلُّ هذا مربوطاً بهوى عبد الرحمان بن عوف : فهو المُدير ، والموجِّه والمُقرِّر حَسْبَما جاء في النظام :
«إذا اتَّفق خمسة وأبى واحد فاضربوا عُنقه ، وإنْ اتَّفق أربعة وأبى اثنان فاضربوا عُنقيهما ، وإنْ اتَّفق ثلاثة منهم على رجل ورضي منهم ثلاثة على رجل آخر ، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمان بن عوف ، واقتلوا الباقين إنْ رغبوا عمَّا اجتمعوا عليه الناس».
ذلك هو النظام العامُّ المعمول به ، أمَّا عبد الرحمان بن عوف ، فكان مزوَّدا بقوَّة