واحدة ، ولقد
طبَّقناه نحن على الأرض ، فكانت النتيجة ملايين الناس في قبيلة واحدة هي الأُمَّة
جَمعاء ، ما كان هناك عدد السنين بالأجيال إلاَّ غباراً وهَباء. أمَّا هنا : فعشر
سنوات مُعذَّبة بالتشريد والهِجرة ، كانت كافية لأنْ توحِّد أُمَّة راحت تسير نحو
المَجد.
لقد كنَّا نحن ـ مُنذ وجودنا في القديم
ـ نُحاول أنْ نفعل ، ولم نتمكَّن حتَّى رعرع الله فينا ، ومَن صدَّقنا ، مَن أثمر
فيه الصدق والإرادة وعزم الروح ، فتلقطت بناصيتنا ناصية الحَقِّ ، وإذا مِنَّا
النبي ، وإذا بنا مُجادل السيف في ساحات الجهاد ، وإذا بنا نحن تقوم الأُمَّة
وتنهض مِن الغفلات السود. وها هي نحن ، وها هي فينا نحن دون أنْ نسأل : هل نحن مِن
عدنان ، أم مِن قحطان ، أم مِن قيس ، أم مِن مضر ؛ لأنَّ الأُمَّة كلَّها أصبحت
مجموعة في وحدة النسب.
أمَّا الوصيَّة فهي التي حُصرت فينا نحن
، ولا أعني الخطَّ الطويل الذي تنتهي بعدنان ، بلْ الذي يحصرنا بأهل البيت الذي هو
بيتنا ، أيْ : بيت النبي لسبب واحد لا أكثر ، وهو منع أيِّ نزاع سلطوي ـ سياسي ـ
يُعيد الحقل إلى سككه الماضية البالية ، التي لم تنبت في ما مضى لا زرعاً ولا
ضرعاً. أمَّا الرسالة فهي التي تضبط الموازين ، وترسم الصراط ، وتحفظ البيت في
خَطِّه النبويِّ العظيم ، فاذا تبرَّأ هذا الخطُّ ـ لا سمح الله ـ في حين ما مِن
الأحيان مِن عصمة ، فإنَّ الروح النبويَّة ذاتها تلقطه مُتبرِّئا ، وتردُّه
مُنصاعاً إلى الحقيقة الباهرة التي صنعت في عشر سنين ، ما لم تصنع جزءاً واحداً
مثله عشرات الأجيال.
أمَّا عمر ، فإنَّه لم يتقبَّلها وصيَّة
تطرحها نبوَّة الأُمَّة ، وعبقريَّة الأُمَّة التي فهمت وعرفت وأدركت كيف تنتفض
الأُمَّة ، وكيف تنجدل الأُمَّة ، وكيف تتحقَّق وتتوحَّد الأُمَّة ، وكيف تُصان
وتبقى الأُمَّة مِن جيلٍ إلى جيلٍ ، في وحدتها وتحقيق ذاتها الخالدة في الحياة.
لقد أراد عمر إرجاعها قبيليَّة تتفكَّك
بها الأُمَّة رويداً رويداً ، ولم يُرِدها رساليَّة بنت قضيَّة تنهض الأُمَّة بها
دائماً مِن تراث إلى تراث. ولقد خاف إذا رزمها ـ أوَّلاً ـ