قائمة الکتاب
القسم الأوَّل
حَجَّة الوداع
٣٢القسم الثاني
إعدادات
الإمام الحسين في حلّة البرفير
الإمام الحسين في حلّة البرفير
تحمیل
القُرفصاء ، بين يدي مَن ينزل عليهم الآيات ، لقد قالوا في تلك الساعة : ما أطيب الرسول (ص) يُداعب ابن بنته فاطمة (عليها السّلام) ، وها هم الآن يُردِّدون القول في غدير خُمٍّ : ما اشدَّ حُبِّه لعليٍّ ، أتراه دائماً يُحبُّه أكثر مِن أيِّ واحدٍ مِنَّا؟ يا للوعي المَمزوق! كم يلزمه مِن المِران والصفاء ، حتَّى يستوي الفهم فيه والرواء!
ـ ٢ ـ
غير أنَّ الوصيَّة ما كانت بحاجة إلى حَجَّة الوداع ، حتَّى يتناولها النبيُّ المُتممِّ حُجَّته ما بين يدي ربِّه الرحيم ، مِن تحت أُبط عليٍّ ، ليعرضها على الناس فيصدُّقوه! لا ـ وأيْمَ الحَقِّ ـ لقد كانت الوصيَّة مدقوقة كالوشم فوق جبين عليٍّ ، إنَّها مِن سجاياه الناضحة مِن طويَّته الكريمة ـ لا التاريخ عَمْيَ ، ولا أيَّ رجل كريم مِن رجالات ذلك العصر كان يعمى عن قراءة الحقيقة ، ولكنَّ سياسة الزُّعماء المُتشرِّبين روح القبليَّة هي العميَّة!
لم يكن عمر بن الخطَّاب ضعيف السجيَّة ، إنَّه عنصر فطنة بين الرجال ، وإنَّه عقل تمكَّن مِن احتواء الوسيع مِن الرشد في مجال الحياة ، ولكنَّ عنجهيَّة قبليَّة نائمة في بطانة نفسه ، ما سمحت له ولا قبلت أنْ يتقدَّم عليه وعلى أمثاله مِن وجهاء الجزيرة ـ وبنوع خاصٍّ المُسنِّين منهم والبارزين في صفوف الصدارة ـ فتى لا يزال أمرداً ، أكان هذا الفتى عليَّاً أم كان فتى آخر اسمه أُسامة بن زيد! لقد كان حِسُّ ابن الخطَّاب ـ بمركز الزعامة ـ أرجح مِن حِسِّه بقيمة الرسالة ـ لهذا لم يُرِد أنْ يُصغي إلى فِطنة التحسُّب في التلميح بالوصيَّة ؛ ولهذا كان رفضه القبول بولاية عليٍّ بعد غياب الرسول إلى الرفيق الأعلى ؛ ولهذا ـ أيضاً ـ كان رفضه القبول بالفتى أُسامة بن زيد أميراً عليهم في الجيش الموجَّه إلى غزوة الشام.
لم يكن هذا وحسب في ميزان عمر ، بلْ إنَّ هنالك خبيئة مِن الماضي الوخيم تُعشِّش في ضلوعه ، إنَّها الدودة في وزيعة الإرث ، إنَّها الأُمويَّة السُّفيانيَّة ضِدَّ الطالبيَّة الهاشميَّة ، تمرح بين الخطَّين ، وتقضم مِن لحمة الطرفين ، إلى أنْ جاءت الرسالة الرضيَّة فتلملمت الدودة إلى خبيئتها في عُتْمة الظنِّ ، وها هو غياب الرسول يُعيد