القصد ، فتتنضَّد
حروفاً يرقص بها الوتر.
لو لم يكن الحسين (ع) لمَعة حُلوة ، في
حُلم ذلك الذي رقص الدويُّ في اُذنيه فصار بعثاً ، وصار حرفاً ضجَّت به الآيات في
القرآن ، لما كان له ـ الآن ـ أنْ يلفَّ عُنق جَدِّه بذراعيه الصغيرتين ، ويَجثُم
فوق منكبيه ويُثَغْثِغ بالآية الهابطة مِن الجَنَّة التي رآها جَدُّه سيِّداً فيها
، أمَّا الجَنَّة التي يُشير إليها النبي المُشبع بالمهابة والجلال ، فهي التي رسم
لها أُنموذجاً فوق الأرض ، في مُجتمع الأُمَّة الموحَّدة والمؤمنة بإلهٍ واحدٍ
عظيمٍ كبيرٍ خيِّر ، يجمع بالحَقِّ ، ويظهر بالصدق ، ويبني بالعلم والمعرفة
إنساناً يُصبح عظيماً بمقدار ما ترجح فيه قيمة المُثل.
تعيسة هي الكلمة تأخذها الأُذن ، أو
العين دون أنْ يؤخذ معها لونها وصداها! ـ وأتعس منها كلُّ حقيقة تحتشم ، إذ تترك
الحرف يتربَّع بها ويتأنَّق بإدراجها في لفَّة الزمر ، فإذا بها تترك ملفوفة
بحشمتها ، وينبري الحرف يتبجَّح بأنَّه هو الصدفة ، ولولاه لما كانت بَهْرَجَة ولا
لؤلؤة!
تلك هي قِصَّة الحسين الطفل فوق مِنكبي
جَدِّه فوق منبر المسجد ، لقد سمع الناس ورَأوا عاطفة تموع ، وبادرة يلعب بها طفل
اسم أُمِّه فاطمة ، أمَّا الرمز ، وأمَّا الصدى فلا عَلاقة للرسالة بهما ، كأنَّ
النبي العظيم الذي أخضع الجزيرة برُمَّتها وجعلها تسجد أمام عظمة الحَقِّ ، ونجَّاها
مِن طفولة بائسة ، ما كانت تلعب إلاَّ بالتُّرُّهات والخَرزات الزرق ، ليس له
إلاَّ أنْ يُلاعب طفلاً اسمه الحسين ؛ لا لشيء إلاَّ لأنَّ أُمَّه اسمها فاطمة ، ولأنَّها
ابنته مِن لحمه ودمه ...
أمَّا الطفل الصغير الذي كان مجذوباً
إلى منكبي جَدِّه ، وهو يُملي على الناس كيف لهم أنْ يجتمعوا دائماً مع كلِّ غَدٍ
، فإنَّه وحده ـ على الأقل ـ راح ينحفر في نفسه ، بأنَّ الرسالة الكبيرة هي التي
يغار جَدُّه عليها ، وهي التي يعتبرها دعامة اليوم لتكون دعامة الغَدِ. إنَّ هذه
اللحظة ـ بالذات ـ هي التي تحفر في نفسه عُمق القضيَّة ، وعُمق المسؤوليَّة ، وعُمق
الوصيَّة ، وعُمق الرمز الذي هو كلُّ الصدى.