أهل البيت (عليهم السّلام)
ولكم تمنَّيت على التاريخ أنْ لا يقرأ
علينا الكلمة بحروفها ، بلْ بمعناها النازل فيها ، ألا تراه هكذا قد تصرَّف وهو
يكتب على أحدى صفحاته (أهل البيت) وهو يُفسِّر الكلمتين بحروفهما لا بمعناهما
المقصود؟! والبيت هنا وأهله ، لا يعنيان في كلمتيهما أساساً مضروباً لإقامة أربعة
حيطان ، تنشأ ضِمنها وحدة سَكنيَّة تنزل فيها عائلة مؤلَّفة مِن رجل وامرأة
وعِدَّة بَنين ، إنَّما البيت وأهلوه هما رمزان ـ بالذات ـ إلى مُجتمع ظهر منه
مُشتاق رائد تمكَّن مِن رصفه ورزمه في إطارٍ جديدٍ ، ومضى به إلى تحقيقات رائعة
المثال ، وخارقة المجال ، نشلته مِن كينونة إلى كينونة ، فإذا الفرق بعيد بين
إنسان كان يتشرَّد هنا وهناك فوق الرمال ، كأنَّه مثل هاتيك الغزلان ، لا يقودها
العطش إلاَّ إلى واحاتٍ مِن سرابٍ ، وإنسان دلَّه عقل كبير إلى قضيَّة كبيرة في
الحياة ، وجد بها منهله لحقيقته الإنسانيَّة ، التي يبني بها مُجتمعاً صحيحاً
يُحقِّق به أنشودته في الوجود.
ألم يكن العظيم محمد هو الذي انفجر به
شوق الجزيرة العربيَّة ، إلى سحبها مِن كلِّ حَرَّاتها الراقصة بالزفت والكبريت ، إلى
واحاتٍ مِن نوعٍ جديدٍ يسرح فيها نسمٌ ، وينبت فيها ظلٌّ ، ويجمعها رُشد يُخلصِّها
مِن تشريد وتحريب ، ويوفِّر لها نظاماً ينشلها مِن غزو وقتل ، وهدر قوى يمتصُّها
الجهل وفقر الروح ، وتُبعثرها ـ توهيناً وتفتيتاً ـ روح قبليَّة عشائريَّة ، مُتزمِّتة
في تجمهُرها وتصنيفها المرصوص في الأفخاذ والبطون.
مَن غير محمد ـ بعد هذه الآلاف مِن
السنين المهدروة ـ تمكَّن مِن إشعال هذه الحَرَّات أتُّوناً مؤجَّجاً بنار زفْتها
وكبريتها ، رمى إليه كلَّ هذه الأصنام التي كانت