إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

الإمام الحسين في حلّة البرفير

الإمام الحسين في حلّة البرفير

الإمام الحسين في حلّة البرفير

تحمیل

الإمام الحسين في حلّة البرفير

23/176
*

خشبة جَسدها ، وما احتاك به مِن زهيد الشحم والدم ؛ مِن هنا كانت الولادة نحيفة رهيفة ، كالمصدر الذي انزلقت عنه ـ غير أنَّ الأحضان التي سربلته بأكثر مِن دثار ، نشَّطت فيه طاقات عجيبة مِن التدلُّه النفسي الروحي ـ ما شَحَّ انعكاسه على عضلاته وألياف أعصابه ، فإذا هو كأنَّه رشأ يملأ البيت حركة ودلعا ورواء ، وإذا هو أكثر مِن جاذبيَّة شغف بها المُحيط كلَّه ، مِن ساحة الدار التي تُظلِّلها شجرة واحدة اسمها (الآراك) ؛ إلى داخل البيت الذي كانت حيطانه وسقفه ترشح بما لا يعرف مِن أيِّ ضَوْعٍ هو ، لقد راح الفتى يشعر أنَّه دلاَّعة البيت وهزَّته الصغيرة ، وكانت النشوة فيه تحتار مِن أين تأتيها الإشارة ، فبينا يغرق فيها في حِضن أُمِّه ، كأنَّه حرير مُبطَّن بمخمل ، إذا هي ـ في عُبِّ أبيه ـ كأنَّها إعصار يتناحل في نسمة الصبح ، أمَّا في حِضن جَدِّه وتحت عينيه ، الناضحتين بالحُبِّ ، فكأنَّها شعاع دفءٍ هابط مِن كُوَّتين ، هما مِن بهجة الصباح أنقى وأزهى.

وهنالك حِضن رابع كان يتعب وهو يتلقَّط به ليحتويه ، وهو حِضن الحسن أخيه الذي يزيده بالعُمر سنة وعِدَّة أشهُر ، ولم يكن يعرف الحسين أيَّ طعم كان يتلذَّذ به وهو مضموم إلى صدر أخيه ، كأنَّه نَكهة معجونة بسويق لا اسم له ، تلك هي الأحضان التي احتوت الحسين مُنذ أَمَّ الحياة ، وراح يدرج في البيت إلى أنْ تركه جَدُّه الكبير في حِضنٍ راح يُفسِّر له ـ بالتدريج ـ كلَّ معاني الأحضان التي احتوته طفلاً ، وحضَّرته ـ بدوره ـ لأنْ يكون حِضناً يتناول الرسالة إلى صدره ، ويفنخ فيها نفساً مقدوداً مِن صدره المليء بالعُنفوان.

لقد ضاع الحسين في تعيين أيِّ حِضن تدلَّه فيه ، كان أعطف وأرهف مِن الآخر؟ ولكنَّه ـ بالحقيقة البارزة ـ كان مُشتقَّاً منها جميعها على توحيد والتزام ـ لقد ضمَّته جميعها ، لأنَّها كلَّها كانت حدوده في المبدأ وفي صيانة الجوهر ، أنَّه مِن هذه الصياغة الكبيرة التي احتضنها الطالبيُّون الهاشميُّون ، فإذا بها مِمَّن مَرَّ أنَّها في النفس تتفتَّق عن رسالة تفوَّه بها الطالبيُّ الهاشميُّ ، فارتدَّت إلى الأُمَّة العظيمة أمانتها المحفوظة في عقل وجُهد نبيِّها العظيم محمد.