الأكرم ، وضمَّهم
تحت كسائه ليُدفِّئهم بعَطفه ، ويُطهِّرهم مِن كلِّ عيبٍ ، هو الذي يتحسَّب بهم ؛
إذ يبنيهم لاستلام الغَد ، وأنَّ الغَد العظيم هو في استمرار الرسالة التي تستردُّ
الإنسان إلى حقيقة الرُّشد ، وحقيقة بناء المُجتمع الموحَّد بالوعي والحَقِّ ـ
إنَّه يعرف أنَّه بعد لحظات قصيرة سيَعبر تاركاً لهم الدار ، وأبناء الدار ـ
فليتثبَّتوا أنَّهم هُمْ المُعنيَّون المُنتدبون للمُحافظة على صيانة القَرار ،
إلى أنْ يطويهم ـ بدورهم ـ سُلطان الحَقِّ ، فيتركون للقيم الأُخر رسالة مُستمرَّة
بنظافة الحَرف ، وأمانة النهج ، وحقيقة التطوير المُركَّز بالإيمان والجوهر.
إنَّها المُهمَّة المُنتدبون إليها ،
وإنَّها القضيَّة الكبيرة والجليلة ، التي ساهم بجَلوتها وإخراجها عقلُ عليٍّ ،
ولُبُّ عليٍّ ، وصدقُ عليٍّ. وإنَّه البيت الذي جعل النبي العظيم حدوده مربوطة
بحدود أُخرى ، هي أبعد مِن القُربى ، وأثبت مِن خطوط الانتساب ، في مُجتمع سينسى انتسابه
إلى كلِّ بطن مِن بطونه القبائليَّة ، ليبقى له ـ فقط ـ انتساب إلى القيمة
المُجتمعيَّة الكُبرى ، التي قدَّمتها له الرسالة ، وجعلته بيتاً واحداً لمُجتمع
إنسانيٍّ واحد ، يفهم ويعي حَقَّه في الوجود الحياتي الإنساني الكريم.
إنَّها مسؤوليَّة راح ينوخ تحت جلالها
البيت النبوي المُشعُّ ، والمبنيُّ مِن لمح الرسول الأبعد ، ومِن تحسُّبه الأبلغ ؛
لتكون منه انطلاقة لسياسة العهد الطويلة الأمد ، والمحصنة بالنظافة التي تُنجبها
النفوس الكريمة ، مُستقاة مِن صدر ربِّها في الحياة مَعيناً لا ينضب ، والرسالة
الكريمة هي ـ بدورها ـ نفحةٌ مِن روحه ، التي لا ينمو ويتبارك الاَّ بها
وبقُدسيَّتها مُجتمع الإنسان.
أنْ لا يَعي أهل السقيفة أو أيَّة سقيفة
سواها ، ثقل المرام ، لا يعني أنَّه ليس ثُقلاً رَسَا بجلاله على أهل البيت (عليهم
السّلام) ، ولا يعني أهل البيت تخصيصاً لحدود رابطة الدم ، بلْ يعني بيتاً لفَّه
النبي الكريم بقصدٍ مربوطٍ بتعهد الرسالة. إنَّهم أوَّل المُتحسِّسين ، وأوَّل
المُعانين ، وأوَّل الرازحين تحت الوطأة الجليلة ، فليكن البيت هذا ـ في وجدان أهل
البيت ـ بيت الأُمَّة الأفيح والأفيأ ، إنَّه ـ في وجدانهم أيضاً ـ بيت الأمس
الصغير ، وبيت اليوم الأشرق ، وبيت الغد الكبير ، الذي يحيا فيه الإنسان عزيزاً
كريماً ، ومثالاً لكلِّ أُسرة يُعمِّر بها مُجتمع الإنسان.