قال عنه : بأنَّه هو
مدينة العلم وعليٌّ بابها. وبأنَّ عليَّاً وحده ذو الفِقار. وبأنَّهما : عليٌّ منه
وهو مِن عليٍّ ، فليكن القول هذا ـ عند مِن يُريد ـ مُختلَقاً ، ولكنَّ البيت ، ووجود
البيت في حدوده ، وفي واقعه على الأرض ، لا يُمكنه أنْ يُشير إلى غير هذا المعنى
الجليل ، أكان قد ورد في حرف ، أم كان قد فُسِّر بالإشارة. يكفي التصديق على ذلك
ربط فاطمة البهيَّة بالرجل الحصيف ؛ حتَّى تظهر الغاية التي بقيت نائمة في الحُلم
إلى أنْ تَفسَّر الحُلم وأنجب الزواج الكبير طفلين سمَّى واحداً بالحسن ، والثاني
بالحسين.
مِن فاطمة وعلي (عليهما السّلام) تكون
القيمومة على الرسالة المسحوبة مِن حِضن الحَقِّ ـ إنَّها وحدها الآن في الضمير ، وفي
العينين ... لقد كانت فاطمة في عين النبي ، أطهر رَحم يُمكن أنْ يُنجِب مَن يليق
بالميراث الأوسع مِن الحدود ـ أمَّا عليٌّ فهو وحده ـ أيضاً ـ خليق بالأُبوَّة
المجيدة يُحقِّقها في جَلوة التظهير. إنَّ الرسالة لتستحقُّ أنْ يُحضَّر لها ـ
مُسبقاً ـ مثل هذا التحضير ، فهي ما نزلت لتوحيد هذه الأُمَّة ـ واسترجاعها إلى
حقيقة الوجود العزيز بالإنسان ، بعد غيابٍ مسحوقٍ بأجيالٍ وأجيالٍ مِن التخلُّف
والتردِّي ـ إلاَّ لأنْ تقتنص لها كلَّ السُّبل الحريصة على صيانتها وتعهدها ؛
حتَّى يبقى الاستمرار فاعلاً في تصاعده التحقيقي البليغ. لقد سهرت الجزيرة طويلاً
في لياليها العتيقة الدامسة ، تُفتِّش مع كلِّ الجُدود عن قبس يجمعها ويوحِّدها في
الحظيرة ، وليس قليلاً ما أهرقه ، مِن عقله وروحه ودمه ، إنسانها المُشرَّد عِبر
الصحارى والفيافي والفَدَافِد ، ولم تُحرِز إلاَّ رموزا هزيلة مشرورة في أحجار
موزَّعة السِّدانات في مَكَّة الأصنام ، أمَّا الرسالة الجديدة المنوَّرة ، فهي
التي ولِدت مِن حَوملة هذه الأجيال الغارقة في بؤسها ، وشُحِّها ، ونزف أوصالها ـ
أما وأنَّها قد نزلت ، وضاءت ، وحقَّقت فوق الأرض مُعجزاتها ، فكيف لها أنْ لا
تسهر طويلاً مع مُعطياتها ، وكيف لها أنْ لا تتحسَّب في المُحافظة على مغانمها
التي حقَّقت وجودها الإنساني فوق الأرض ، وفي حِضن الحياة؟
لقد كان التحُّسب العظيم في صيانة
الرسالة مرصوداً في الرجل المبنيِّ بناءً متيناً ، ولا يعني البناء أنَّ النبي
الكريم هو الذي بناه ، أكثر مِمَّا يعني أنَّه اكتشفه