تألُّب الأيَّام!!!
وأراد أنْ يُظهر لها أنَّه لبَّى نداءها ـ وإنْ لم يُصدِّقها فيه ـ حتَّى يُثبت
لها أنَّه الوفيُّ ؛ وحتَّى يُعلِّمها أنَّ المُلبِّي صادق في ما يُلبِّي ، وأنَّه
لن يهرب مِن الساحة التي يُقدِّم فيها رفضه وعزمه ودم الشهادة ، في سبيل الأُمَّة التي
وإنْ تَتلكَّأ الآن فلن تَتلكَّأ غداً بعد أنْ تَعرض أمامها حقيقة الرصد!!!
أمَّا المُرافقون الذين كان ينموا ـ
قليلاً ـ عددهم مِن مَحطَّة إلى مَحطَّة ، فإنَّهم أخذوا بروعَة القول ، ولكنَّهم
بقوا تائهين ، حائرين ، وكأنَّهم يستفهمون فاستدركهم الحسين بما معناه : إنَّه
الواقع الحزين! عندما تُجمِع الأُمَّة أمرها انضمُّوا إليها ، أمَّا الآن فإنَّنا
مع النُّخبة المُريدة ، نكفي لمُتابعة الطريق والقيام بالمُهمَّة ، وتقديم القدوة
، وإرضاء الشهادة!!! أمَّا الذين تستدعيهم عيالهم إلى المُساندة في تحصيل العيش ، فإنِّي
لهم أقول : اذهبوا خير لكم وأجدى ، سوف يطلبكم الغَد الثاني إلى تحقيق آخر أنتم
دائماً بحاجة إليه.
بعد ذلك أمر الحسين بمُتابعة الطريق ، وقد
انفرط قِسم وافر مِن القوم ، وبقي معه الذين مِن أمثال عون ، ومحمد ، وزهير بن
القين.
ـ ٩ ـ
بعد مسيرة مُضنية بلغوا مَحطَّة (بطن
العَقبة) ، وقصدوا أنْ ينزلوا فيها ويتزوَّدوا بقليلٍ مِن الماء ، عندما تقدَّم
منهم رجل يبدو مِن سيمائه أنَّه مُحترم في القوم ، وطلب مُقابلة الحسين ، وصادف
أنَّ الحسين بالذات كان واقفاً وغارقاً في تلافيف نفسه ، فانتبه إلى الرجل وراح
يسأله :
الحسين
: ـ لعلَّك لم تُشاهد بعد الحسين؟!
عمرو
بن لوذان : ـ الأُذن عندي أبعد
مِن العين.
الحسين
: ـ لو أنَّك تمزجهما لكنت السامع الرائي في
آنٍ واحدٍ ، ألا تسمع الآن وأنت ترى وأنت تسمع؟!