ـ ٣ ـ
أدرك الحسين ـ وهو لا يزال في المَحطَّة
الأُولى ـ التنعيم عبد الله بن عمر ، فلنُصغ إلى هذا النوع مِن الحوار ، الذي دار
بين الاثنين في مُخيَّم الحسين.
عبد الله : ـ يا
سبط الرسول ، ما كدت أعرف أنَّك تركت مَكَّة حتَّى هببتُ ألحق بك. حمداً لله ، إنِّي
توقَّفت ولمَّا تقطع بعد أكثر مِن المحطَّة الأُولى مِن الطريق.
الحسين
: ـ ألا تراني أُرحِّب بك ، هات ما عندك.
عبد
الله : ـ ما أكرمك! تكسر قليلاً مِن شوقي ـ يا
ابن علي ـ لقد رأيت جَدَّك الرسول يكشف عن سِرَّتك وأنت طفل ، ويُقبِّلك بها وهو
مُغمض العينين ، ألا تكشف لي سِرَّتك ولو كنت لم تفعل ذلك مُنذ أكثر مِن خمسين سنة؟
الحسين
: ـ لقد ذكرتني ـ يا رجل ـ بنعيمي الذي حكت
منه ثوب أحلامي ، فها أنِّي أمامك على ظهري ، ولن أتحرَّك ولو ضربتني بألف خَنجر.
وانحنى ابن عمر يُقبِّل سِرَّة الحسين
ثلاثاً ، وفي كلِّ واحدة منها كان يبدو وكأنَّه ينتهل مِن الكوثر ، ثمَّ نهض وهو
يشكر ويقول :
عبد
الله : ـ أتُريدني أشكرك على نعمة أُسبغت عليَّ
ـ يا ابن بنت الرسول ـ؟ ولكنْ ... هل تُصغي إلى رجاء لي؟
الحسين
: ـ اجلس وأفصِح يا ابن عمر.
عبد
الله : ـ أيُّ إفصاح لي وأنا استعطفك بالرجوع
إلى محارم الكعبة؟! ألا تسمعني أقول لك : إنَّ نجاتك مِن القتل؟! لا يشفع فيها
واحد بألآلف إنْ تابعت طريقك!!!
الحسين
: ـ إنَّ خمسين سنة مَرَّت علينا بعد ابن
الخطَّاب قد صاغت قَدَري ، فلا تحزن عليَّ يا ابن عمر!!! رعاك الله مِن مُشفق
تأخَّر كثيراً إشفاقه.