إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

الإمام الحسين في حلّة البرفير

الإمام الحسين في حلّة البرفير

الإمام الحسين في حلّة البرفير

تحمیل

الإمام الحسين في حلّة البرفير

109/176
*

إنَّها الأُمَّة التي تربَّعت في أشواق محمد ، وراح يجمعها بالرسالة ، ولقد وسَّع الرسالة مِن أجلها ، وجعلها تفيض بقيمة إنسانيَّة مُطلقة ، تعتنقها وتَدين بها كلُّ أُمَّة أُخرى ، وهكذا تتوسَّع الارتباطات المُتجانسة بإدراك الحَقِّ ، وتنظيف النيَّات مِن لوثات السوء ، وينتفي ميل التعدِّي على حقوق الغير ، وبذلك تتروَّض العَلاقات بين أُمَّة واحدة ، بزخم الرسالة التي هي فيض نور وهداية للإنسان.

ليس التوسُّع هذا أكثر مِن شاردة ، تُبيِّن أنَّ لُحمة الأُمَّة حصيلة طبيعيَّة جغرافيَّة ـ تاريخيَّة ـ ، وأنَّها عامل إنمائيٌّ في ربط الإنسان بمُحيطه الفاعل ، مِن أجل تعزيز إنتاج تُوفِّره الوحدة المُتضامنة باستقرارها وباشتراك مصيرها. إنَّ أعز أُمَم الأرض هي الأُمَّة المُطمئنَّة في وحدتها وتلاصقها بأرضها المَعطاء ، وتجانسها بأفكارها ، وتضافرها في إنتاجها ، وتلاحمها في حضارتها وثقافتها وانفتاحها في إنسانيَّتها المُنتجة حقَّاً وصدقاً. إنَّها الأُمَّة المثاليَّة التي لعبت دوراً عظيماً في تشوُّق الرسول محمد ، وكانت هي التي تمنَّى لها سويَّة مِن هذا الطراز ، وكانت هي التي تخصَّصت لها الرسالة ، وكانت هي القضيَّة الكبيرة التي توازي وجوده كإنسان. فإذا كانت الرسالة لتعيش ، فلابُدَّ لها مِن إنسان يعيش في أُمَّة تعيش. إنَّها محور الكلام : الرسالة هي الأُمَّة ، والأُمَّة هي الرسالة ، والاثنتان هما إنسان محمد ، وإنسان محمد هو عجينة الله في تراب الأرض ، وهي الحَقُّ العدل ، وهي إنتاج الجمال في الوجود الأمثل.

مِن كلِّ هذه المعاني في أصالتها تكوَّن نهج عليٍّ ، ليكون أساساً في كلِّ معركة إنسانيَّة يتَثبَّت بها مُجتمع الإنسان. أمَّا الحسن ، وهو مُتابعة وتكميل مُباشر لنهج أبيه ، وهو الذي انتقل إليه الإيمان بأنَّ وحدة المُجتمع منعته وإشراقة رسالة جَدِّه ، فإنَّه بادر إلى استيحاء النهج ، وبدلاً مِن اعتماد السيف ، وهذا السيف الآن يقصف الأَجَمة مِن دون أنْ يفعل في الدفاع عن مصالحها ، راح إلى اعتماد وسيلة أُخرى هي التخلِّي عن الحُكم كأداة تؤجِّج ناراً تُحرق ولا تُدفئ ، وانشأ صُلحاً فيه بَرد السلام ، يجمع قطر البصرة إلى قطر الشام ، ويُزيل قلقاً يُخيِّم على كلِّ قطر مِن الجزيرة الأُمِّ حتَّى وادي النيل ... لقد قَدَّم الأُمثولة القُدوة البيضاء ، بأنَّ التخلِّي عن حُكم لا يقدر أنْ يخدم أمن الأُمَّة بلْ يُفقرها ، ويُفتِّت مِن لُحمتها ، ويدمغها بالحِقد