المفسر ما لما انْبَهَم ، ولم يُسْمَعْ في كَلامِ العَرَبِ انْبَهَمَ بل الصَّوابُ اسْتَبْهَمَ ، وتوقفت مرة لاشْتِهارِه في جَميعِ مصنَّفات النَّحْو أُمَّهاتها وشُرُوحها ، ثم رأَيْت الرَّاغِبَ تَعَرَّض له ونَقَلَه عن شيْخِه العلَّامَة أَبي الحَسَنِ عليّ بن سمْعان الغِرْناطيّ وقالَ : إنَّ انْبَهَمَ غيرُ مَسْموعٍ ، وإنَّ الصَّوابَ اسْتَبْهَمَ كما قلْت ، ثم زادَ لأَنَّ انْبَهَمَ انْفَعَل وهو خاصٌّ بما فيه عِلاجٌ وتأْثِيرٌ ، فلمَّا رأَيْتُه حَمَدْتُ اللهَ لذلِكَ وشَكَرْته. انتَهَى.
وأَبْهَمَ فلاناً عن الأَمْرِ إذا نَحَّاه.
وأَبْهَمَتِ الْأَرْضُ ، فهي مُبْهةٌ : أَنْبَتَتِ البُهْمَى ، بالضمِ مَقْصُوراً ، اسمٌ لنَبْتٍ م مَعْروف.
قالَ أَبو حَنيفَةَ : البُهْمَى مِن أَحْرارِ البُقُولِ رَطْباً ويابِساً ، وهي تَنْبُت أَوَّل شيءٍ بارِضاً ، حينَ تَخْرُجُ مِن الأَرْضِ تَنْبُت كما يَنْبُت الحَبُّ ، ثم تَبْلُغ إلى أَنْ تَصِيرَ مِثْل الحَبّ ، ويَخْرُجُ لها شَوْكٌ مِثْل شَوْكِ السُّنْبُل ، وإذا وَقَعَ في أُنُوفِ الغَنَمِ والإِبِلِ أَنِفَت عنه حتى تَنْزعه الناسُ مِن أَفْواهِها وأُنُوفِها فإذا عَظُمَت البُهْمَى ويَبِسَتْ كانتْ كَلأً يُرْعَى حتى يُصِيبَه المَطَرُ مِن عامٍ مُقْبِل فيَنْبُت مِن تحْتِه حِبُّه الذي سَقَطَ مِن سُنْبُلِه.
وقالَ اللَّيْثُ : البُهْمَى نَبْتٌ تَجِد به الغَنَم وَجْداً شَدِيداً ما دامَ أَخْضَر ، فإذا يَبِسَ هَرَّ شَوْكُهُ وامْتَنَع ، يُطْلَقُ للواحِدِ والجَمِيع.
قالَ سِيْبَوَيْه : البُهْمَى يكونُ واحِداً وجَمْعاً وأَلِفها للتَّأْنِيثِ ، أَو واحِدَتُه بُهْماةٌ ، وأَلِفُها للإِلْحاقِ.
وقالَ المبرِّدُ : هذا لا يُعْرَفُ ولا تكونُ أَلِف فُعْلى ، بالضمِ ، لغيرِ التَّأْنِيثِ ، وأَنْشَدَ ابنُ السِّكِّيت :
رَعَتْ بارِضَ البُهْمَى جَمِيعاً وبُسْرةً |
|
وصَمْعاءَ حتى آنَفَتْها نِصالُها (١) |
وأَرْضٌ بَهِمَةٌ ، كفَرِحَةٍ ، أَي كثيرَتُهُ على النَّسَبِ ، حَكَاه أَبو حَنيفَةَ.
والمُبْهَمُ ، كمُكْرَمٍ : المُغْلَقُ من الأَبْوابِ لا يُهْتَدى لفَتْحِه ، وقد أَبْهَمَه أَي أَغْلَقَه وسَدَّهُ. والمُبْهَمُ : المُصْمَتُ* كالأَبْهَمِ ، قالَ :
فَهَزَمَتْ ظَهْر السِّلامِ الأَبْهَم
أَي الذي لا صَدْع فيه ، وأَمَّا قَوْلُه :
لكافرٍ تاهَ ضَلالاً أَبْهَمُه
قيلَ : أَرادَ أَنَّ قلبَ الكافِرِ مُصْمَتٌ لا يَتَخَلَّله وعْظٌ ولا إنْذارٌ.
والمُبْهَمُ من المُحَرَّماتِ : ما لا يَحِلُّ بوجهٍ ولا سَبَبٍ كتَحْرِيمِ الأُمِّ والأُخْتِ وما أَشْبَهَه.
وسُئِلَ ابنُ عَبَّاس عن قَوْلِهِ ، عزوجل (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) (٢) ولم يُبَيّن أَدَخَل بها الابنُ أَمْ لا؟ فقالَ ابنُ عبَّاس : أَبْهِموا ما أَبْهَمَ اللهُ.
قالَ الأَزْهرِيُّ : رأَيْت كَثِيراً مِن أَهْلِ العِلْم يَذْهَبون بهذا الى إِبْهامِ الأَمْرِ واسْتِبْهامِه (٣) ، وهو إِشْكالُه وهو غَلَطٌ ، قالَ : وكثيرٌ مِن ذَوِي المَعْرفةِ لا يميِّزونَ بينَ المُبْهَم وغيرِ المُبْهَم تَمْييزاً مُقْنِعاً ، قالَ : وأَنَا أُبيِّنه بعَوْن اللهِ تعالَى ، فقوْلُه ، عزوجل : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ) (٤) هذا كلُّه يُسمَّى التَّحْريمَ المُبْهَم لأنَّه لا يحلُّ بوجْهٍ مِن الوُجُوهِ ولا بسببٍ مِن الأَسْبابِ ، كالبَهِيم مِن أَلْوانِ الخَيْلِ الذي لا شِيَةَ فيه تُخالِفُ مُعْظم لونِه.
قالَ : ولمَّا سُئِل ابنُ عَبَّاس عن قوْلِه تعالَى : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) ولم يُبَيِّن اللهُ الدُّخولَ بِهنَّ أَجابَ فقالَ : هذا مِن مُبْهَم التَّحْريمِ الذي لا وجْهَ فيه غَيْر التَّحْريمِ ، سَواء دَخَلْتم بالنِّساءِ (٥) أَو لم تَدْخُلوا بهنَّ ، فأُمَّهاتُ نِسائِكم حُرِّمْنَ عليكم مِن جميعِ الجِهاتِ ، وأَمَّا قوْلُه : (وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) (٦) ، فالرَّبائبُ هنا لسْنَ مِن المُبْهَمات لأَنَّ لهنَّ وَجْهَيْن مُبَيَّنَيْن أُحْلِلْن في أَحدِهِما وحُرِّمْن في الآخَرِ ، فإذا دُخِل بأُمَّهاتِ الرَّبائبِ حَرُمَتِ الرَّبائِبُ ، وإن لم يُدْخَل بأُمَّهاتِ الرَّبائِبِ لم
__________________
(١) اللسان والتهذيب.
(*) كذا بالأصل ، وبالقاموس : الْأَصْمَتُ.
(٢) سورة النساء الآية ٢٣.
(٣) في التهذيب : واشتباهه.
(٤) سورة النساء الآية ٢٣.
(٥) في التهذيب بنسائكم.
(٦) النساء الآية ٢٣.