قلْتُ : أَمَّا سِياقُ الجوْهَرِيِّ فإنَّه قالَ بعْدَ أَنْ ذَكَرَ المَنْقَل بالفتحِ بمعْنَى النَّعْل الخَلَق المُرقَّعة ، وأَنْشَدَ قَوْلَ الكُمَيْت ، ما نَصّه ، أَي يُصيبُ صاحِبُ الخُفِّ ما يُصيبُ الحافي مِن الرَّمْضاءِ.
وفي حَدِيْث ابنِ مَسْعودٍ : «ما مِنْ مُصَلَّى لامْرأَةٍ أَفْضَل مِن أَشدّ مكاناً في بيتِها ظُلمةً إلَّا امْرأَة قد يَئِسَتْ مِن البُعُولةِ فهي في مَنْقَلِها». قالَ أَبو عُبَيْدَة (١) : لولا أَنَّ الرِّوايةَ اتَّفَقَتْ في الحَدِيْث والشِّعْرِ (٢) ما كانَ وَجْهَ الكَلامِ عنْدِي إلَّا كَسْرها ، انتَهَى ، وفي نسخةٍ : قالَ أَبو عُبَيْد.
وقالَ ابنُ بَرِّي في كتابِ الرَّمَكِيِّ بخطِّ أَبي سَهْلٍ الهَرَويّ في نصِّ حَدِيْث ابنِ مَسْعود : مِن أَشدِّ مَكانٍ ، بالخَفْضِ ، وهو الصَّحيحُ انتَهَى.
ثم هذا الذي أَوْرَدَه الجوْهَرِيُّ هو بعَيْنِه قَوْل الأُمويّ فإنَّه فَسَّرَ المَنْقَلَ بالخُفِّ وهو بالفتحِ ، وأَوْرَدَه الأَزْهرِيُّ أَيْضاً هكذا ، وخالَفَهُم أَبو سعيدٍ السُّكَّريّ فإنَّه قالَ في شرْحِ شعْرِ الكُمَيْت : المُنْقَلُ ، بالضمِ. هو الذي يَخْصِفُ نَعْلَه بنَقيلَةٍ ، يقالُ : أَنْقَلْت النَّعْلَ خَصَفْتها أَي سُوِّيَ الحافِي والمُنْتَعِلُ بأَباطِحِ مكةَ لشدَّةِ الحَرِّ ؛ أَو الحَفْوَةُ ، هذا القَوْلُ نَقَلَه خالدُ بنُ كُلْثُوم عن الأَخْفَش ونَصّه : فإنَّ الحَفْوَةَ احْتِفَاءُ القَوْمِ المَرْعَى إذا رَعَوْا فلم يَتَرُكُوا فيه شيئاً ومنه أَحْفَى فلانٌ شعرَهُ.
قالَ : وأَمَّا المُنْقَلُ فهي النُّجْعَةُ يَنْتَقِلونَ من المَرْعَى إذا احْتَفَوْه إلى مَرْعًى آخَرَ يقولُ : اسْتَوَتِ المَرَاعِي كلُّها ، فصارَ ما احتفى كالذي يُنْتَقَل إليه ممَّا لم يُحْتَفَ.
والنَّاقِلَةُ ضِدُّ القاطِنِين ، والجَمْعُ النّواقِلُ.
ومِن المجازِ : النَّاقِلَةُ واحدَةُ نَواقِلِ الدَّهْرِ ، وهي نَوائِبُه التي تَنْقُلُ من حالٍ إلى حالٍ.
والأَنْقِلاءُ ، بالفتحِ وكسْرِ القافِ ، ضَرْبٌ من التَّمرِ بالشَّامِ ، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
نَقَّلَ الشيءَ تنقيلاً أَكْثَرَ نَقْلَه. وفي حَدِيْث أُمِّ زَرْعٍ : «ولا سَمِين فيَنْتَقِل» أَي ينقُلُه الناسُ إلى بيوتِهِم فيأْكلُونَه ، ويُرْوَى فينتقي وهو مَذْكورٌ في موْضِعِه. وهَمْزةُ النَّقْل التي تَنْقُل غيرَ المتعدِّي إلى المتعدِّي كقَوْلِكَ : قامَ وأَقَمْتُه ، وكذلِكَ تَشْديدُ النَّقْل هو التضْعيفُ الذي يَنْقُل غيرَ المتعدِّي إلى المتعدِّي كقَوْلِكَ : غَرِم وغَرَّمْتُه وفَرحَ وفَرَّحْتُه.
وفَرَسٌ ذُو نَقَلٍ وذُو نِقالٍ ، والتَّنْقِيلُ : مِثْلُ النَّقَلِ ، قالَ كَعْبُ :
لهنَّ من بعدُ إرْقالٌ وتَنْتَقِل (٣)
ويقالُ : انْتَقَلَ سارَ سَيْراً سَريعاً ، قالَ :
لو طَلَبونا وجَدُونا نَنْتَقِلْ |
|
مثلَ انْتِقال نَفَرٍ على إبِلْ (٤) |
وفي الأساسِ : انْتَقَلَ انْتِقالاً : وضَعَ رِجْلَيْه مَواضِعَ يَدَيْه في السَّيْر.
والنَّقَلُ ، محرَّكةً ، الطَّريقُ المُخْتَصَرُ.
ونَقِلَتْ أَرْضُنا ، كفَرِحَ ، فهي نَقِلَةٌ : كَثُرَ نَقَلُها ، قالَ :
مَشْيَ الجُمَعْلِيلةِ بالحَرْفِ النَّقِلْ (٥)
ويُرْوَى بالجُرْف ، بالجيمِ.
وأَرْضٌ مَنْقَلَةٌ : ذاتُ نَقَلٍ ، وبه سُمِّيَت المَنْقَلَة التي يلعبُ بها.
ومكانٌ نَقِلٌ ، بالكسرِ على النَّسَبِ ، أَي حَزْنٌ.
والنَّقِيلُ : الحِجارَةُ التي تَنَقّلَتْها قوائِمُ الدابَّةِ من مَوْضِعٍ إلى موْضِعٍ قالَ جَريرٌ :
يُناقِلْنَ النَّقِيلَ وهُنَّ خُوصٌ |
|
بغُبْر البِيدِ خاشعةِ الخُرومِ (٦) |
وقيلَ : المُرادُ بالنَّقِيل هنا النِّعالَ.
__________________
(١) اللسان والتهذيب : أبو عبيد.
(٢) يعني بفتح الميم.
(٣) من قصيدته بانت سعاد وتمامه :
ولن يُبَلّغها إلّا عذافرة |
|
فيها على الأين إرقالِ وتبغيلُ |
والمثبت كرواية اللسان والتهذيب.
(٤) اللسان.
(٥) اللسان بدون نسبة.
(٦) ديوانه ص ٤٩٤ وفيه «الحزوم» واللسان والتهذيب.