والشَّقُّ : التَّفْرِيقُ ، ومِنْه شَقَّ الخَارِجِيُّ عَصا المُسْلِمِينَ أَي : فَرَّقَ جَمْعَهُم وكَلِمَتَهُم ، ومِنْه شَقَّ العَصا : إِذا فارَقَ الجَماعَة ، كما تَقَدَّمَ.
وقالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الشَّقُّ : المَشَقَّةُ والجَهْدُ والعَناءُ ، زاد الرّاغِبُ : والانْكِسارُ الَّذِي يَلْحَقُ النَّفْسَ والبَدَنَ ، ومنه قَوْلُه تَعالى : (لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) (١) ويُكْسَرُ وأَكْثَرُ القُرّاءِ على كَسْرِ الشِّينِ ، معناهُ إِلّا بجَهْدِ الأَنْفُسِ أَو بالكَسْرِ اسمٌ ، وبالفَتْحِ مَصْدَرٌ قاله اللِّحْيانِيُّ ، قال ابنُ سِيده : لا أَعْرِفُها عن غيرِه ، وقَرَأَ أَبو جَعْفَرٍ وجَماعَةٌ : «إِلّا بشَقِّ الأَنْفُسِ» بالفتحِ ، قال ابنُ جِنِّي : وهُما بمَعْنًى واحِدٍ ، وأَنْشَدَ لعَمْرو بنِ مِلْقَطٍ ، وزَعَم أَنَّه في نَوادِرِ أَبي زَيْد :
والخَيْلُ قَدْ تُجْشِمُ أَرْبابَها الشِّ |
|
قّ وقَدْ تَعْتَسِفُ الرّاوِيَه |
قالَ : ويَجُوزُ أَنْ يُذْهَبَ في قَوْلِه إِنّ الجَهْدَ يُنْقِصُ من قُوَّةِ الرَّجُلِ ونَفْسِه حَتّى يَجْعَلَه قد ذَهَب بالنِّصْفِ من قُوَّتِه فيَكُون الكَسْرُ على أَنَّه كالنِّصْفِ (٢) ، قال ابنُ بَرِّي : شاهِدُ الكَسْرِ قولُ النَّمِرِ بنِ تَوْلَب :
وذِي إِبِلٍ يَسْعَى ويَحْسِبُها لَه |
|
أَخِي نَصَبٍ من شِقِّها ودُؤُوبِ |
وقولُ العَجّاجِ :
أَصْبَحَ مَسْحُولٌ يُوازِي شِقَّا
مَسْحُولٌ يعني بَعِيرَه ، ويُوازِي : يُقاسِي.
قالَ ابنُ سِيدَه : وحَكَى أَبو زَيْدٍ فيه : الشَّقّ ، بالفَتْحِ ، شَقَّ عليه يَشُقُّ شَقًّا.
ومن المَجازِ الشَّقُّ : اسْتِطالَةُ البَرْقِ إِلى وَسَطِ السَّماءِ من غَيْرِ أَنْ يَأخُذَ يَمِيناً وشِمالاً ، ولو قالَ : من غَيْرِ اعْتِراضٍ كان أَخْصَرَ ، وقد شَقَّ يَشُقُّ شَقًّا ، قالَهُ أَبو عُبَيْدٍ ، ومنه الحَدِيثُ : «أَنَّ النبيَّ صلىاللهعليهوسلم سُئلَ عن سَحائِبَ مَرَّتْ ، وعن بَرْقِها ، فقالَ : أَخَفْواً ، أَم وَمِيضاً ، أَم يَشُقُّ (٣) شَقًّا؟ فقالُوا : بَلْ شَقَّ شَقًّا ، فقالَ : جاءَكُم الحَيَا».
ومن المَجازِ : الشِّقُّ : بالكَسْرِ : الشَّقِيقُ يُقال : هو أَخِي وشِقُّ نَفْسِي ، كما فِي الصِّحاحِ ، قالَ الرّاغِبُ : أَي كأَنّه شِقٌّ مِنِّي ، لمُشابَهَةِ بَعضِنا بَعْضاً.
والشِّقُّ : الجانِبُ وجانِبَا الشَّيْءِ : شِقّاهُ ، قاله اللَّيْثُ ؛ وقِيلَ : الشِّقُّ : الناحِيَةُ من الجَبَلِ.
وقالَ اللَّيْثُ : الشِّقُّ : اسمٌ لما نَظَرْتَ إِلَيْهِ.
والشِّقُّ : ع بخَيْبَر ، أَو وادٍ بهِ ، ويُفْتَحُ.
قلتُ : وهِيَ من قُرَى فَدَك ، تُعْمَلُ فِيها اللُّجُمُ ، قالَ ابنُ مُقْبِلٍ :
يُنازِعُ شِقِّيًّا كأَنَّ عِنانَه |
|
يَفُوتُ به الإِقْداعَ جِذْعٌ مُنَقَّحُ (٤) |
وقالَ أَبو النَّدَى :
مِن عَجْوَةِ الشِّقِّ نَطُوف بالوَدَكْ |
|
لَيْسَ من الوادِي ولكِنْ مِنْ فدَكْ |
أَو الصّوابُ الفَتْحُ في اللُّغَةِ وفي الحَدِيثِ ، وهو ع بعَيْنِه قِيلَ : ومِنْهُ الحَدِيثُ قائِلُه أَبو عُبَيْدٍ ، والمُرادُ بالحَدِيثِ حَدِيث أُمِّ زَرْعٍ : «وَجَدَنِي في أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بشِقٍّ» كما فِي الصِّحاحِ ، يُرْوَى بالفَتْحِ ، وبالكَسْرِ أَو مَعْناهُ مَشَقَّة وهذا على رِوايَةِ الفَتْحِ ، يُقال : هُمْ بشِقٍّ من العَيْشِ : إِذا كانُوا في جَهْدٍ (٥) ، أَو من الشَّقِّ بمَعْنَى الفَصْلِ في الشَّيْءِ ، كأَنّها أَرادَتْ أَنَّهُم في مَوْضِعٍ حَرِجٍ ضَيِّقٍ كالشَّقِّ في الجَبَلِ.
وشِقٌّ : كاهِنٌ قَدِيمٌ م معروفٌ ، قالُه ابنُ دُرَيْدٍ ، وحَدِيثُه مُسْتَوْفى فِي الرَّوْضِ للسُّهَيْلِيِّ ، وإِنّما سُمِّيَ بهِ لأَنّه وُلِدَ شِقًّا واحِداً ، وكانَ فِي زَمَنِ كِسْرَى أَنُوشِرْوانَ.
وقالَ ابنُ عَبّادٍ : الشِّقُّ : جِنْسٌ مِنْ أَجْناسِ الجِنِّ.
وقالَ غيرُه : الشِّقُّ من كُلِّ شيءٍ : نِصْفُه إِذا شُقَّ ، والعَرَبُ تَقُولُ : خُذْ هذا الشِّقَّ لشِقَّةِ الشّاةِ ، ومنه الحَدِيثُ : «تَصَدَّقُوا ولَوْ بشِقِّ تَمْرَة» أَي : نِصْفِ تَمْرَةٍ ، يريدُ أَنْ لا
__________________
(١) سورة النحل الآية ٧.
(٢) هذا قول الفراء ، نقله في التهذيب.
(٣) قوله : يشق ، معطوف على الفعل الذي انتصب عنه المصدران وتقديره : أيخفي أم يُومض أم يشق؟
(٤) بالأصل : «يفوت به الأخداع جذع منعج» والتصويب عن معجم البلدان «شق» وفيه : «يفوق». والبيت في ديوانه من قصيدة حائية القافية.
(٥) عن اللسان وبالأصل «في جهة».