البَياضِ الباقِي في الأُفُقِ الغَرْبِيِّ بعدَ الحُمْرَةِ المَذْكُورة ، وبه أَخَذَ أَبو حَنِيفَةَ ، وفي الصِّحاحِ : قالَ الفَرّاءُ : سَمِعْتُ بعضَ العَرَبِ يَقُول : عَلَيْهِ ثَوْبٌ كأَنَّهُ الشَّفَقُ ، وكان أَحْمَرَ.
قلتُ : فهذا شاهِدُ الحُمْرَةِ.
وقالَ اللَّيْثُ : الشَّفَقُ : الرَّدِيءُ من الأَشْياءِ قَلَّما يُجْمَعُ ، يُقال : هذه مِلْحَفَةٌ شَفَقٌ ، سواءٌ في الذَّكَرِ والأُنْثَى ، ويُقال أَيْضاً : ثَوْبٌ شَفَقٌ ، وهو مَجازٌ ، وضَبَطَهُ الجَوْهَرِيُّ بكسرِ الفاءِ.
وقالَ مُجاهِدٌ في قَوْلِه تَعالَى (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) : النّهارُ ونَقَلَه الزَّجّاجُ أَيضاً هكذا.
والشَّفَقُ : الخَوْفُ من شِدَّةِ النُّصْحِ ، وقد شَفِقَ شَفَقاً : خافَ ، قالَهُ ابنُ دُرَيْدٍ (١) ، وأَنْشَد :
فإِنِّي ذُو مُحافَظَةٍ لقَوْمِي |
|
إِذا شَفِقَتْ عَلَى الرِّزْقِ العِيالُ |
وفي الصِّحاحِ : الشَّفَقَةُ : الاسْمُ من الإِشْفاقِ ، وكذلِكَ الشَّفَقُ ، قالَ ابنُ المُعَلّى :
تَهْوَى حَياتِي وأَهْوَى مَوْتَها شَفَقاً |
|
والمَوْتُ أَكْرَمُ نَزّالٍ عَلَى الحُرَمِ (٢) |
وقالَ غيرُه : رَجُلٌ شَفِقٌ ، ككَتِفٌ : خائِفٌ ، والجَمْعُ شَفِقُونَ.
والشَّفَقُ : الناحِيَةُ ، ج أَشْفاقٌ وفي النوادِرِ : أَنا في أَشْفاقٍ من هذا الأَمْرِ أَي : فِي نواحٍ منه ، ومِثْلُه : أَنا في عُرُوضٍ منه ، وفي أَعْراضٍ منه ، أَي : نَواحٍ.
ومن المَجازِ : الشَّفَقُ والشَّفَقَةُ حِرْصُ النّاصِحِ عَلَى صَلاحِ المَنْصُوحِ يُقال : لِي عَلَيْهِ شَفَقَةٌ ، أَي : رَحْمَةٌ ورِقَّةٌ وخَوْفٌ من حُلُولِ مَكْرُوهٍ به ، مع نُصْحٍ ، وقد أَشْفَقَ عليهِ أَنْ يَنالَه مَكْرُوهٌ.
وهو مُشْفِقٌ وشَفِيقٌ وهو أَحَدُ ما جاءَ على فَعِيلٍ بمَعْنَى مُفْعِلٍ ، قاله ابنُ دُرَيْدٍ ، قالَ حُمَيْدُ بنُ ثَوْرٍ ـ رضياللهعنه ـ :
حَمَى ظِلَّها شَكْسُ الخَلِيفَةِ خائِفٌ |
|
عَلَيْها غُرامَ الطّائِفِينَ شَفِيقُ |
وفي المَثَل : «إِنَّ الشَّفِيقَ بسُوءِ ظَنٍّ مُولَع» يُضْرَبُ في خَوْفِ الرَّجُلِ على صاحِبِه الحَوادِثَ لفَرْطِ الشَّفَقةِ.
والشَّفِيقَةُ ، كسَفِينَةٍ : بِئْرٌ عندَ أُبْلَى بالقُرْبِ من مَعْدِنِ بنِي سُلَيْمٍ.
وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ (٣) : شَفَقَ ، وأَشْفَقَ حاذَرَ بمَعْنَىً واحِد ، زَعَم ذلِكَ قومٌ أَوْ لا يُقال إِلّا أَشْفَقَ فهو مُشْفِقٌ وشَفِيقٌ ، وهِي اللُّغَةُ العالِيَةُ.
وقالَ الرّاغِبُ : الإِشْفاقُ : عِنايَةٌ مُخْتَلِطَةٌ بخَوْفٍ ؛ لأَنَّ المُشْفِقَ يُحِبُّ المُشْفَقَ عليهِ (٤) ما يَلْحَقُه قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : (وَهُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ) (٥) فإِذا عُدِّي بمِن فمَعْنَى الخَوْفِ فيه أَظْهَرُ ، وإِذا عُدِّي بعَلَى (٦) فمَعْنَى العِنايَةِ فيه أَظْهَر ، وأَنْشَدَ الصاغانِيُّ لتَأَبَّطَ شَرًّا :
ولا أَقُولُ إِذا ما خُلَّةٌ صَرمَتْ |
|
يا وَيْحَ نَفْسِيَ مِنْ شَوْقٍ وإِشْفاقِ |
والتَّشْفِيقُ : التَّقْلِيلُ ، كالإِشْفاقِ ، يُقال : عَطاءٌ مُشَفَّقٌ ومُشْفَقٌ ، أَي : مُقَلَّلٌ وأَنْشَدَ الجَوْهريُّ للكُمَيْتِ :
مَلِكٌ أَغرُّ من المُلُوكِ تَحَلَّبَت |
|
للسائِلِينَ يَداهُ غَيْرُ مُشَفِّقِ |
وهو مَجازٌ.
والتَّشْفِيقُ : رَداءَةُ النَّسْجِ عن اللَّيْثِ ، يُقال : شَفَّقَ النَّسّاجُ المِلْحَفَةَ تَشْفِيقاً : إِذا نَسَجَها سَخِيفاً وهو مَجازٌ.
* ومما يُسْتَدرك عليه :
أَشْفَقَ منه : جَزِعَ ، وشَفَقَ لُغَةٌ.
قال ابنُ سِيدَه : وشَفِقَ عليه ، كفَرِح بَخِلَ به وضَنَّ ، عن ابْنِ دُرَيْدٍ.
__________________
(١) الجمهرة ٣ / ٦٥ والبيت الشاهد فيها ونسبه ابن دريد لجابر بن قطن النهشلي ، باختلاف روايته.
(٢) وقيل هو لإسحاق بن خلف.
(٣) الجمهرة ٣ / ٦٥.
(٤) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : يحب المشفق عليه الخ هكذا بالأصل وحرر العبارة» وفي المفردات للراغب : يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه.
(٥) سورة الأنبياء الآية ٤٩.
(٦) في المفردات «ب في».