وَغَسّاقٌ) (١) وقالَ تَعالَى : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) فتَأَمَّلْ كَيفَ جَمَعَ الذَّوْقَ واللِّباسَ حَتّى يَدُلَّ على مُباشَرةِ الذَّوْقِ وإِحاطَتِه وشُمُولِه ، فأَفادَ الإِخْبارُ عن إِذاقَتِه أَنّه واقِعٌ مُباشَرٌ غَيْرُ مُنْتَظَر ، فإِنَّ الخَوْفَ قد يُتَوَقَّعُ ولا يُباشَر ، وأَفادَ الإِخْبارُ عن لِباسِه أَنّه مُحِيطٌ شامِلٌ كاللِّباسِ للبَدَنِ ، وفي الحَدِيثِ : «ذاقَ طَعْمَ الإِيمانِ مَنْ رَضِيَ باللهِ رَبًّا ، وبالإِسْلامِ دِيناً وبمُحَمَّدٍ رَسُولاً» ، فأَخْبَرَ أَنَّ للإِيمانِ طَعْماً ، وأَنَّ القَلْبَ يَذُوقُه ، كما يَذُوقُ الفَمُ طَعْمَ الطَّعامِ والشَّرابِ ، وقد عَبَّرَ النَّبِيُّ صلىاللهعليهوسلم عن إِدْراكِ حَقِيقَةِ الإِيمان والإِحْسانِ.
حصولهِ (٢) للقلبِ ومُباشَرَتِه له بالذَّوْقِ تارَةً ، وبالطَّعامِ والشَّرابِ تارةً ، وبوِجْدانِ الحَلاوَةِ تارةً ، كما قالَ : «ذاقَ طَعْمَ الإِيمانِ ... الحديث» وقالَ : «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فيهِ وَجَدَ حَلاوةَ الإِيمانِ».
قالَ : والذَّوْقُ عندَ العارِفينَ : مَنْزِلَةٌ مِنْ مَنازِلِ السّالِكِينَ أَثْبَتُ وأَرْسَخُ من مَنْزلَة الوَجْدِ ، فتَأَمَّلْ ذلك.
ومن المَجازِ ذاقَ القَوْسَ ذَوْقاً : إِذا جَذَبَ وَتَرَها اخْتِباراً ليَنْظُر ما شِدَّتُها ، قال الشَّمّاخُ :
فذاقَ فأَعْطَتْهُ من اللِّينِ جانِباً |
|
كَفَى وَلَهَا أَنْ يُغْرِقَ النَّبْلَ حاجزُ |
أَي : لَها حاجِزٌ يمنَعُ من إِغراقٍ.
وما ذاقَ ذَواقاً أَي : شَيْئاً والذَّواقُ فَعالٌ : بمعنى مَفْعُول من الذَّوْقِ ، ويَقعُ على المَصْدَرِ والاسمِ ، وفي الحَدِيثِ : «لم يَكُنْ يَذُمُّ ذَواقاً» وفي الحَدِيثِ ـ في صِفَةِ الصَّحابَةِ ـ : «يَدْخُلُونَ رُوّاداً (٣) ، ولا يَتَفَرَّقُونَ إِلّا عَنْ ذَواق ، ويَخْرُجُونَ أَدِلَّةً» قال القُتَيْبيُّ : الذَّواقُ : أَصْلُه الطَّعْمُ ، ولم يُرِدِ الطَّعْمَ ههُنا ، ولكِنَّهُ ضَرَبَهُ مَثَلاً لما يَنالُونَ عِنْدَهُ من الخَيْرِ ، وقالَ ابنُ الأَنْبارِيِّ : أَراد لا يَتَفَرَّقُونَ إِلّا عَن عِلْمٍ يتَعَلَّمُونَه ، يقومُ لهم مَقامَ الطَّعامِ والشَّرابِ ، لأَنّه كانَ يَحْفَظُ أَرْواحَهُم ، كما كانَ يَحْفَظُ الطَّعامُ أَجْسامَهُمْ. وقالَ أَبو حَمْزَةَ : يقالُ : أَذاقَ زَيْدٌ بَعْدَكَ سَرْواً ، أَي صارَ : سَرِيًّا ، وكَرَماً أَي : صارَ كَرِيماً وأَذاقَ الفَرَسُ بعدَك عَدْواً ، أَي : صارَ عَدّاءً بعدَك ، وهو مَجازٌ.
وتَذَوَّقَهُ أَي : ذاقَهُ مَرَّةً بعدَ مَرَّةِ وشَيْئاً بعدَ شَيْءٍ.
وتَذاوَقُوا الرِّماحَ : إِذا تَناوَلُوها قالَ ابنُ مُقْبِلٍ :
أَو كاهْتِزازِ رُدَيْنيٍّ تَذاوَقَهُ |
|
أَيْدِي التِّجارِ فزَادُوا مَتْنَه لِينَا |
وهو مَجازٌ.
* ومما يُسْتَدرَكُ عليه :
المَذاقُ ، يكونُ مَصْدَراً ، ويكونُ اسْماً.
وتَقُول : ذُقْتُ فُلاناً ، وذُقْتُ ما عِنْدَه ، أَي : خَبَرْتُه.
والذَّوّاقُ ، كشَدّادٍ : السَّرِيعُ النِّكاحِ السَّرِيعُ الطّلاقِ ، وهي ذَوّاقَةٌ ، وقد نُهِيَ عن ذلِك.
والذَّوّاقُ أَيْضاً : المَلُولُ.
واسْتَذاقَ فُلاناً : خَبَره فلَمْ يَحْمَدْ مَخْبَرَتَه.
وأَمْرٌ مُسْتَذاقٌ ، أَي : مُجَرَّبٌ مَعْلُومٌ.
وذَوْقُ العُسَيْلَةِ : كِنايَةٌ عن الإِيلاجِ.
ويَومٌ ما ذُقْتُه طَعاماً ، أَي : ما ذُقْتُ فيهِ.
وتَذاوَقَه ، كذَاقَهُ.
وهو حَسَنُ الذَّوْقِ للشِّعْرِ : مَطْبُوعٌ عليه.
وما ذُقْت غَماضاً ، وما ذُقْتُ في عَيْنِيَ نَوْماً.
وذاقَتْها يَدِي ، وذاقَتْ [كَفِّي] (٤) فُلانَةَ : إِذا مَسَّتْها.
ويُقال : ذِيقَ كَذِبُه ، وخُبِرَتْ حالُه (٥).
واسْتَذاقَ الأَمْرُ لفُلانٍ : انْقادَ لَهُ ، ولا يَسْتَدِيقُ لي الشِّعْر إِلّا في فُلان.
ودَعْنِي أَتَذَوَّق طَعْمَ فُلانٍ.
__________________
(١) سورة ص الآية ٥٧.
(٢) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : حصوله ، كذا بالأصل ، ولعل الأولى : وحصوله».
(٣) عن الفائق ٢ / ٩٠ وبالأصل «روداً» الحديث برواية أخرى في اللسان والنهاية.
(٤) زيادة عن الأساس.
(٥) وردت في الأساس شرحاً لقول جرير :
وعهد الغانيات كعهد قينٍ |
|
ونت عنه الجعائلُ مستذاقِ |