وَالْأَمْرُ) (١) و (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (٢) قالَ ابْنُ الأَنْبارِيّ : مَعْناه أَحْسَنُ المُقَدِّرِينَ ، وقولُه تَعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (٣) أَي : تُقَدِّرُونَ كَذِباً ، وقولُه تعالى : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ) (٤) خَلَقُه : تَقْدِيرُه ، ولم يُرِدْ أَنَّه يُحْدِثُ مَعْدُوماً.
والخالِقُ في صِفاتِه تَعالَى وعَزَّ : المُبْدِعُ للشَّيْءِ ، المُخْتَرِعُ على غَيْرِ مِثالٍ سَبَقَ وقالَ الأَزْهَرِيُّ : هو الّذِي أَوْجَدَ الأشْياءَ جَمِيعَها بعدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً ، وأَصْلُ الخَلْق : التَّقْدِيرُ ، فهُوَ باعْتِبارِ ما منه وُجُودُها مقدِّرٌ وبالإعتبار للإِيجادِ على وَفْقِ التَّقْدِيرِ خالِقٌ.
ويُسَمُّونَ صانعَ الأَدِيمِ ونَحْوِه الخالِقَ ؛ لأَنّه يُقَدِّرُ أَولاً ، ثُمَّ يَفْرِي.
ومن المَجازِ : خَلَقَ الإِفْكَ خَلْقاً : إِذا افْتَراهُ ، كاخْتَلَقَه وتَخَلَّقَه ، ومنه قولُه تَعالَى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) وقُرِىءَ : إِنْ هَذا إِلّا خَلْقُ الأَوَّلِينَ (٥) أَي : كَذِبُهُمْ واخْتِلاقُهُمْ ، وقَوْلُه تعالى : (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) (٦) أَي : تَخَرُّصٌ وكَذِبٌ.
وخَلَقَ الشَّيْءَ خَلْقاً : مَلَّسَه ولَيَّنَه.
ومن المَجازِ : خَلَقَ الكَلامَ وغَيْرَه : إِذا صَنَعَه اخْتِلاقاً.
وتَقُولُ العَرَبُ : حَدَّثَنا فُلانٌ بأَحادِيثِ الخَلْقِ ، وهي الخُرافاتُ من الأَحادِيثِ المُفْتَعَلَة.
وخَلَقَ النِّطْعَ والأَدِيمَ ، خَلْقاً ، وخَلْقَةً ، بفَتْحِهما : إِذا قَدَّرَه وحَزَرَه ، أَو قَدَّرَه لما يُرِيدُ قَبْلَ أَنْ يَقْطَعَه وقاسَه لِيَقْطَعَ مِنْهُ مَزادَةً ، أَو قِرْبَةً ، أَو خُفًّا فإِذا قَطَعَه قِيلَ : فَراهُ.
قالَ زُهَيْرٌ يمدَحُ هَرِمَ بنَ سِنانٍ :
ولأَنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ وبَعْ |
|
ضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يَفْرِي (٧) |
أَي : أَنْتَ إِذا قَدَّرْتَ أَمراً قَطَعْتَه وأَمْضَيْتُه ، وغَيْرُك يُقَدِّرُ ما لا يَقْطَعُه ؛ لأَنَّه ليس بماضِي العَزْمِ ، وأَنْتَ مَضّاءٌ على ما عَزَمْتَ عليه.
وقالَ اللَّيْثُ : وهُنَّ الخالِقاتُ ، ومنه قَوْلُ الكُمَيْتِ :
أَرادُوا أَنْ تُزايِلَ خالِقاتٌ |
|
أَدِيمَهُمُ يَقِسْنَ ويَفْتَرِينَا |
يَصِفُ ابْنَيْ نِزارِ بنِ مَعَدٍّ ، وهُما رَبِيعَةُ ومُضَرُ ، أَرادَ أَنَّ نَسَبَهم وأَدِيمَهُم واحِدٌ ، فإِذا أَرادَ خالِقاتُ الأَدِيمِ التَّفْرِيقَ بينَ نَسَبِهم تَبَيَّنَ لهم (٨) أَنّه أَدِيمٌ واحِدٌ لا يَجُوزُ خَلْقُه للقَطْعِ ، وضَرَب النِّساءَ الخالِقاتِ مَثَلاً للنَّسّابِينَ الَّذِينَ أَرادُوا التَّفْرِيقَ بينَ ابْنَيْ نِزارٍ ، وفي حَدِيثِ أُخْتِ أُمَيَّةَ بنِ أَبِي الصَّلْتِ : «قالَتْ : فدَخَلَ عليَّ وأَنا أَخْلُقُ أَدِيماً» أَي : أُقَدِّرُه لأَقْطَعَه ، وقالَ الحَجّاجُ : «ما خَلَقْتُ إِلَّا فَرَيْتُ ، وما وَعَدْتُ إِلَّا وَفَيْتُ».
وخَلَقَ العُودَ : سَوّاه ، كخَلَّقَه تَخْلِيقاً ، ومنه قِدْحٌ مُخَلَّقٌ ، أَي مُسْتَوٍ أَمْلَسُ مُلَيَّنٌ ، وقيل : كُلُّ ما لُيِّنَ ومُلِّسَ فقد خُلِّقَ ، وأَنْشَد الجَوْهَرِيُّ للشاعِرِ يَصِفُ القِدْحَ :
فخَلَّقْتُه حَتَّى إِذا تَمَّ واسْتَوَى |
|
كَمُخَّةِ ساقٍ أَو كمَتْنِ إِمامِ |
قَرَنْتُ بحِقْوَيْهِ ثَلاثاً فلَمْ يَزُغْ |
|
عَن القَصْدِ حَتّى بُصِّرَتْ بدِمامِ |
وخَلِقَ الشّيْءُ كَفَرِحَ ، وكَرُمَ : امْلاسَّ ولانَ واسْتَوى ، وقد خَلَّقَهُ هو ، يُقال : حَجَرٌ أَخْلَقُ أَي : لَيِّنٌ أَمْلَسُ مُصْمَتٌ ، لا يُؤَثِّرُ فيهِ شَيْءٌ. وصَخْرَةٌ خَلْقاءُ : مُصْمَتَةٌ مَلْساءُ ، وكذلِكَ هَضْبَةٌ خَلْقاءُ ، أَي : لا نَباتَ بها ، وقِيلَ : صَخْرَةٌ خَلْقاءُ بَيِّنَةُ الخَلَقِ : ليسَ فِيها وَصْمٌ ولا كَسْرٌ ، وفي الحَدِيثِ (٩) : «لَيْسَ الفَقِيرُ فَقِيرَ المالِ إِنَّما الفَقِيرُ الأَخْلَقُ الكَسْبِ» يَعْنِي الأَمْلَسَ من الحَسَناتِ (١٠) ، أَرادَ أَنَّ الفَقْرَ الأَكْبَرَ هو فَقْرُ الآخِرِة.
ويُقال : رَجُلٌ أَخْلَقُ من المالِ ، أَي : عارٍ منه ، وقالَ الأَعْشَى :
__________________
(١) سورة الأعراف الآية ٥٤.
(٢) سورة المؤمنون الآية ١٤.
(٣) سورة العنكبوت الآية ١٧.
(٤) سورة آل عمران الآية ٤٩.
(٥) سورة الشعراء الآية ١٣٧ وقُرى «خُلُقُ» قال الفراء ومن قرأ بها أراد عادة الأولين.
(٦) سورة ص الآية ٧.
(٧) ديوانه ط بيروت ٢٩ والبيت مشهور.
(٨) في اللسان : «لهن».
(٩) في اللسان : وقول عمر بن الخطاب : ليس الفقير الذي لا مال له ، إنما الفقير ...» ومثله في التهذيب والنهاية.
(١٠) يعني الذي لم يقدم لآخرته شيئاً يثاب عليه.