أَصْبحْتَ؟ فالكافُ هُنا في معنَى علَى ، قال ابنُ جِنِّي : وقد يجُوزُ أَنْ تكونَ في معْنَى الباءِ ، أي : بخَيْرٍ.
وتكونُ للمُبادرةِ : إذا اتَّصلَتْ بِما ، نحو : سلِّمْ كَما تَدْخُلُ ، وصلِّ كَما يَدْخُلُ الوَقْتُ.
وَقد تَقَعُ موقعَ الاسمِ ، فيدْخُلُ عليها حرفُ الجرِّ ، كما قال امْرُؤُ القَيْسِ يصِفُ فَرساً :
وَرُحْنَا بكَابْنِ الماءِ يُجْنَبُ وَسْطَنا |
|
تَصوَّبُ فيهِ العيْنُ طَوْرًا وتَرْتَقِي |
وقد تَكُونُ للتَّوْكِيدِ ، وهي الزَّائِدةُ بمنزلةِ الباءِ ـ في خَبِر لَيْس ، وفي خَبر ما ـ ومِنْ ، وغَيْرِها من الحروفِ الجارَّةِ ، نحو قولِه عزوجل : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (١) وَتَفْسِيرُه ـ والله أَعلَمُ : ـ ليس مِثْلَه شيْءٌ ، ولا بُدَّ من اعتِقادِ زيادةِ الكافِ ، ليصحَّ المَعْنَى ؛ لأَنَّكَ إِن لم تَعْتَقِد ذلِك أَثْبتَّ له عزَّ اسمُه مِثْلاً ، وزَعَمْتَ أَنّه لَيْس كالَّذِي هُو مِثله شيءٌ ، فيفْسُدُ هذا من وجْهيْنِ : أَحدُهما : ما فِيه من أَثْباتِ المِثْلِ لمَنْ لا مِثْلَ له ، عزَّ وَعلَا علُوًّا كَبيرًا.
والآخرُ : أنَّ الشَّيْءَ إذا أَثْبتَّ له مِثْلاً فهو مِثْلُ مِثْلِه ؛ لأَنَّ الشَّيْءَ إذا ماثَلَهُ شَيْءٌ فهو أَيْضاً مُماثِلٌ لِما ماثَلَه ، ولو كانَ ذلِكَ كذلك ـ على فَسادِ اعْتِقادِ مُعْتَقِدِه ـ لما جازَ أَن يُقال : لَيْس كمِثْلهِ شيءٌ ؛ لأَنَّه تعالَى مِثْلُ مِثْلِه ، وهو شَيْءٌ ؛ لأَنَّه تباركَ وتَعالَى قد سَمَّى نَفْسه شَيْئاً بقولِه : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً ، قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) (٢).
فعُلِم من ذلكَ أنَّ الكافَ في (لَيْسَ كَمِثْلِهِ) لا بُدّ أَنْ تَكُونَ زائِدَةً ، ومثلُه قولُ رُؤْبة :
لَواحِقُ الأَقْرابِ فِيها كالمَقَقْ
وَالمَقَقُ : الطُّولُ ، ولا يُقال : في هذَا الشَّيْءِ كالطُّولِ ، إِنّما يُقال : في هذَا الشيءِ طُولٌ ، فكأَنَّه قالَ : فِيها مَقَقٌ : أي طُولٌ.
وَقال شيخُنا في قَوْلِه تَعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) قد أَخْرجها المُحقِّقُونَ عن الزِّيادةِ ، وجعلُوها من بابِ الكِنايةِ ، كما في شُرُوحِ التَّلْخِيصِ والمِفْتاحِ ، والتَّفْسِيرَيْنِ ، وَغيرِها.
وتَكُونُ اسْماً جارًّا مُرادِفاً لِمِثْل ، أو لا تَكُونُ إلّا في ضَرُورةٍ ، كقَوْلِه :
يضْحكْنَ عَنْ كالْبَرَدِ المُنْهَمِّ
(٣) أي : عَن مثل البَرَدِ.
وقد تَكُونُ ضَمِيرًا مَنْصوباً ومَجْرُورًا ، نحو قولِه تَعالى : ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٤) ونَصُّ الصِّحاحِ : وَقد تَكُون ضَمِيرًا للمُخاطَبِ المَجْرُورِ والمَنْصُوب ، كقولِكَ : غُلامُكَ ، وضَرَبَكَ ، زاد الصّاغانِيُّ : تُفْتَحُ للمُذَكَّر ، وَتُكْسَرُ للمُؤَنَّثِ ، للفَرْقِ.
وقد تكونُ حَرْفَ مَعْنًى ، لاحِقَةً اسْمَ الإِشارَةِ ونصُّ الصِّحاحِ : وقد تَكُونُ للخِطابِ ، ولا موضعَ لها من الإِعْرابِ كَذلِكَ ، وتِلْكَ وأُولئكَ ، ورُوَيْدَكَ ؛ لأَنَّها لَيْسَتْ باسمٍ هُنا ، وَإِنَّما هي للخِطاب فقط ، تُفْتَحُ للمُذَكَّرِ ، وتُكسرُ للمُؤَنَّثِ.
وتكون لاحِقَةً للضَّمِيرِ المُنْفَصِلِ المَنْصُوبِ ، كإِيّاكَ وَإِيّاكُما.
ولاحِقَةً لبَعْضِ أَسْماءِ الأَفْعالِ ، كحَيَّهَلَكَ ، ورُوَيْدَكَ ، وَالنَّجاكَ (٥).
وتكونُ لاحِقَةً لأَرَأَيْتَ ، بمَعْنَى أَخْبِرْنِي ، نحو : أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ (٦) وقد بُسِط معانِي «الكافِ» وَما فِيها كُلُّه في المُغْنِي وشُرُوحِه ، وأَوردَ الشيخُ ابنُ مالِكٍ أَكثَرَها في التَّسْهِيل عن اللِّحْيانِيّ.
وتُكافُ ، بضَمِّ المُثَنّاةِ الفَوْقِيّة : ة بجُوزَجانَ ، و: ة أُخْرَى بنَيْسابُورَ.
وَكَوَّفْتُ الأَدِيمَ تَكْوِيفاً : قَطَعْتُه ، كَكَيَّفْتُهُ تَكْييفاً.
وكَوَّفْتُ الكافَ : عَمِلْتُها ، وكَتَبْتُها.
وتَكَوَّفَ الرَّمْلُ تَكَوُّفاً ، وكَوْفانًا بالفَتْحِ : اسْتَدارَ وكذلِك الرَّجُلُ.
__________________
(١) سورة الشورى الآية ١١.
(٢) سورة الأنعام الآية ١٩.
(٣) الرجز للعجاج ، انظر الخزانة ٤ / ٤٦٢.
(٤) سورة الضحى الآية ٣.
(٥) في المغني ص ٢٤٠ : «النجاءك».
(٦) سورة الإسراء الآية ٦٢.