وعَيَفانًا مُحَرَّكَةً ، وعِيافَةً وعِيافاً بكَسْرِهِما واقتَصَر الجَوْهَرِيُّ وَالصاغانيُّ على الأَخِيرِ ، وما عَداه ففي (١) ابنِ سِيدَه : كَرِهَهُ فلَم يَشْرَبْه طَعاماً أو شَراباً قال ابنُ سِيدَه : وقد غَلَبَ على كَراهِيَةِ الطَّعامِ ، فهو عائِفٌ ، وفي حديثِ الضَّبِّ : «ولكِنَّه لَم يَكُنْ بأَرْضِ قَوْمِي ، فأَجِدُ نَفْسِي تَعافُه» وقال أَنَسُ بنُ مُدْرِكَةَ الخَثْعَمِيُّ :
إِنِّي وقَتْلِي سُلَيْكاً ثم أَعْقِلُه |
|
كالثَّوْرِ يُضْرَبُ لمّا عافَت البَقَرُ |
قال الجَوْهَرِيُّ : وذلِك أنَّ البَقَرَ إذا امْتَنَعَتْ من شُرُوعِها في الماءِ لا تُضْرَبُ ؛ لأَنَّها ذاتُ لَبَنٍ ، وإِنّما يُضْرَبُ الثّورُ ، لتَفْزَعَ هي ، فتَشْرَبَ.
أَو العِيافُ ككِتاب : مَصْدَرٌ وككِتابَةٍ : اسْمٌ قالَه ابنُ سِيدَه ، وأَنْشَد ابنُ الأَعرابِيِّ :
كالثَّوْرِ يُضْرَبُ أَنْ تَعافَ نِعاجُه |
|
وَجَبَ العِيافُ ضَرَبْتَ أو لَم تَضْرِبِ |
وعِفْتُ الطَّيْرَ وغيرَها من السَّوانِحِ أَعِيفُها عِيافَةً بالكسرِ : أي زَجَرْتُها ، وهو أَنْ تَعْتَبِر بأَسْمائِها ومَساقِطِها ومَمَرِّها وأَنوائِها هكَذا في سائِرِ النُّسخِ ، ومثلُه في العُبابِ ، وهو غَلَطٌ ، قلَّدَ المُصَنِّفُ فيه الصاغانيَّ ، وإِنَّما غَرَّهُما تَقَدُّمُ ذِكْرِ المَساقِطِ ، وأَينَ مَساقطُ الطَّيْرِ من مساقِطِ الغَيْثِ ، فتَأَمَّلْ ، وَالصَّوابُ : وأَصْواتها ، كما هو نَصُّ المُحْكمِ والتَّهْذِيبِ وَالصِّحاحِ ، ونَقَلَه صاحبُ اللِّسانِ هكذا على الصَّوابِ فتتسَعَّد ، أو تَتَشأّمُ وهو من عادةِ العَرَبِ كثيرًا ، وهو كثيرٌ في أَشْعارِهِم قال الأَعْشَى :
ما تَعِيفُ اليَوْمَ في الطَّيْرِ الرَّوَحْ |
|
من غُرابِ البَيْنِ أو تَيْسٍ بَرَحْ (٢) |
وَقال الأزْهَرِيُّ : العِيافَةُ : زَجْرُ الطَّيْرِ ، وهو أَنْ يَرَى طائِرًا أو غُراباً فيتطَيَّرَ ، وإِنْ لم يَر شَيْئاً فقَالَ بالحَدْسِ كانَ عِيافَةً أَيضاً ، وفي الحَدِيثِ : «العِيافَةُ والطَّرْقُ من الجِبْتِ» قال ابنُ سِيدَه : وأَصْلُ «عِفْتُ الطَّيْرَ» فعَلْتُ ، عَيَفْتُ ، ثم نُقِلَ من فَعَلَ إلى فَعِلَ ، ثُمّ قُلِبَت الياءُ في فَعِلْتُ أَلفاً ، فصار عَافْتُ ، فالْتَقَى ساكِنانِ : العيْنُ المُعْتَلّة ولامُ الفِعْلِ ، فحُذِفَت العَيْنُ لالتِقائِهما ، فصار التَّقْدِيرُ عَفْتُ ، ثم نُقِلت الكَسْرةُ إلى الفاءِ لأَنَّ أَصْلَها قبلَ القَلْبِ فَعِلْتُ فصارَ عِفْتُ ، فهذِه مُراجعةُ أَصْلٍ ، إلّا أنَّ ذلك الأصْلَ الأَقْرَبُ لا الأَبْعَدُ ، أَلا تَرَى أنَّ أَوّل أَحوالِ هذه العَيْنِ في صِيغَةِ المِثالِ إِنما هو فَتْحَةُ العَيْنِ التي أُبْدِلَتْ منها الكَسْرَةُ ، وكذلِك القَوْلُ في أَشباهِ هذا من ذَواتِ الياءِ ، قال سِيبوَيْه : حملُوه على فِعالةَ كَراهِيةَ الفُعُولِ.
والعائِفُ : المُتَكَهِّنُ بالطَّيْرِ ، أو غَيْرِها من السّوانِحِ ، وفي حَدِيثِ ابنِ سِيرِينَ : «أنَّ شُرَيْحاً كانَ عائِفاً» أَرادَ أَنَّه كانَ صادِقَ الحَدْسِ والظَّنِّ ، كما يُقالُ للَّذِي يُصِيبُ بظَنِّهِ : ما هو إلّا كاهِنٌ ، وللبَلِيغ في قوله : ما هُو إلّا ساحِرٌ ، لا أَنَّه كانَ يفْعَلُ فِعْلَ الجاهِلِيَّة في العِيافَةِ.
وعافَت الطيْرُ ، تَعِيفُ عَيْفاً : إذا حامَتْ عَلَى الماءِ ، أَو على الجِيَفِ ، تَتَرَدَّدُ ولا تَمْضِي ، تُرِيدُ الوُقُوعَ كتَعُوفُ عَوْفاً لُغَةٌ فيه ، وهِيَ عائِفَةٌ ، قال أَبُو زُبَيْدٍ الطّائِيُّ :
كأَنَّهُنَّ بأَيْدِي القَوم في كَبدي |
|
طيْرٌ تَعِيفُ على جُونٍ مَزاحِيفِ |
هكَذا أَنشَدَه الصاغانيّ ، والَّذِي في الصِّحاحِ :
كأَنّ أَوْبي مَساحِي القَوْمِ فَوْقَهُمُ (٣) |
|
طَيْرٌ ... |
الخ والاسْمُ العَيْفَةُ نَقَلَهُ الجَوْهَريُّ.
قال : والعَيُوفُ كصَبُورٍ من الإِبِلِ : الَّذِي يَشَمُّ الماءَ ، فيدَعُهُ وهو عَطْشَانُ.
قال الصّاغانِيُّ : وعَيُوفُ : اسمُ امْرَأَةٍ.
وقَوْلُ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ رضياللهعنه فِيما رَواه عنه إِسْماعيلُ بنُ قَيْسٍ : لا تَحْرُمُ (٤) العَيْفَةُ قِيلَ لَه : وما العيْفَةُ؟ قال : هي أَنْ تَلِدَ المرْأَةُ ، فيُحْصَرَ لَبَنُها في ثَدْيِها ، فَتْرضَعَها هكذا في النُّسَخِ ، والصَّواب فتَرْضَعَه ، كما في العُبابِ وَالنِّهايَةِ (٥) جارَتُها المَرَّةَ والمَرَّتَيْنِ هكَذا في النُّسخ بالرّاءِ ،
__________________
(١) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : ففي ابن سيدة ، كذا بالاصل ، وليحرر».
(٢) ديوانه ط بيروت ص ٣٨ مطلع قصيدة يمدح إياس بن قبيصة الطائي.
(٣) في الصحاح : «أوب» ومثله التهذيب واللسان. وبعد البيت في التهذيب : شبه اختلاف المساحي فوق رؤوس الحفارين بأجنحة الطير ، وأراد بالجون إبلاً قد أَحفت فالطير تحوم حولها.
(٤) ضبطت بالقلم في اللسان والنهاية بضم التاء وشد الراء المكسورة.
(٥) والتهذيب واللسان أيضاً.