يَخْلُفَ المَلِكَ إذا قامَ عن مَجْلِسِهِ ، فَيَنْظُرَ في (١) أَمْرِ الناسِ ، قال : كان المَلِكُ يُرْدِفُ خَلْفَهُ رجلاً شَرِيفاً ، وكانوا يَرْكَبُونَ الإِبِلَ ، وأَرْدَافُ المُلُوكِ : هم الذين يَخْلُفُونَهم في القِيَامِ بأَمْرِ المَمْلَكَةِ ، بمَنْزِلَةِ الوُزَرَاءِ في الإسْلامِ ، واحدُهم رِدْفٌ ، وَالاسْمُ الرِّدافَةُ ، كالوِزَارَةِ.
والرَّوَادِفُ : رَوَاكِيبُ النَّخْلِ ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ ، قال ابنُ بَرِّيّ : الرَّاكُوبُ : ما نَبَتَ في أصْلِ النَّخْلَةِ ، وليس له في الأَرْضِ عِرْقٌ.
وقال ابنُ عَبّادٍ : الرَّوَادِفُ : طَرَائِقُ الشَّحْمِ ، ومنه حديثُ أَبي هَرَيْرَةَ رضياللهعنه : «على أَكْتَافِهَا أَمْثَالُ النَّوَاجِدِ (٢) شَحْماً ، تَدْعُونَهُ أَنْتُم الرَّوَادِفَ»
الْوَاحِدَةُ رَادِفَةٌ.
وأمَّا رَادُوفٌ ، فهو وَاحِدٌ الرَّوَادِيفِ ، بمعْنَى رَاكُوبِ النَّخْلِ ، كما في المُحِيطِ.
والرُّدَافَى ، كَحُبَارَى ، الأَوْلَى تَمْثِيلُهَا بكُسَالَى : الْحُدَاةُ ، أي حُدَاةُ الظُّعْنِ ، والأَعْوَانُ ، لأَنَّهُ إذا أَعْيَا أَحَدُهُمْ خَلَفَهُ الآخَرُ ، وقال لَبِيدٌ رَضِيَ الله تعالَى عنه :
عُذَافِرَةٌ تَقَمَّصُ بالرُّدَافَى |
|
تَخَوَّنَهَا نُزُولِي وارْتِحَالِي |
وهو جَمْعُ رَدِيفٍ ، كالفُرَادَى جَمْعُ فَرِيد ، ومنه قَوْلُهم : جَاءُوا رُدَافَى ، أي ؛ مُتَرَادِفِينَ يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ، وَذلك إذا لم يَجِدُوا إِبِلاً يتَفَرَّقُون عليها ، ورأَيْتُ الجَرَادَ رُدَافَى ، رَكِبَ بَعْضُها بَعْضاً ، وجاءُوا فُرَادَى ، ورُدَافَى : وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ ، مُتَرادِفِينَ. والرُّدَافَى ـ في قَوْلِ جريرٍ يَهْجُو الفرزدقَ (٣) وبَنِي كُلَيْبٍ :
ولكِنَّهُمْ يُكْهِدُونَ الحَمِير |
|
رُدَافَى علَى الْعَجْبِ والْقَرْدَدِ |
ـ : جَمْعُ رَدِيفٍ ، لا غَيْرُ ، ويُكْهِدُونَ : يُتْعِبُونَ.
ورَدِفَهُ ، كَسَمِعَهُ ، وَعَلَيه اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ وغيرُه ، ورَدَفَهُ ، مِثْلُ نَصَرَهُ ، وَبه قَرَأَ الأَعْرَجُ : رَدَفَ لَكُم (٤) ، بفَتْحِ الدَّالِ : تَبِعَهُ ، يُقَال : نَزَلَ بهم أَمْرٌ ، فرَدِفَ لَهُم آخَرُ أَعْظَمُ منه ، وقَوْلُه تعالَى : (عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ) ، قال ابنُ عَرَفَةَ : أي دَنَا لكم ، وقال غيرُه : جاءَ بَعْدَكُم ، وَقيل : مَعْناه : رَدِفَكم ، وهو الأَكْثَرُ ، وقال الفَرَّاءُ : دَخَلَت اللَّامُ ، لأَنَّه بمعنى قَرُبَ لكم ، واللَّامُ صِلَةٌ ، كقَوْلِهِ تعالَى : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) (٥) ، كَأَرْدَفَهُ ، مِثَالُ تَبِعَهُ وأَتْبَعَهُ ، وَمنه قَوْلُه تعالَى : (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (٦) ، قال الزَّجَّاجُ : يَأْتُونَ فِرْقَةً بَعْدَ فِرْقَةٍ ، وقال الفَرَّاءُ : أي : مُتَتَابِعِينَ ، رَدِفَه وأَرْدَفَهُ بمَعْنًى واحدٍ ، وقَرَأَ أَبو جعفرٍ ونافِعٌ ، ويعقوبُ ، وَسَهْلٌ : مُرْدَفِينَ بفَتْحِ الدَّالِ ، أي فُعِلَ ذلك بهم ، أي : أَرْدَفَهُم الله بغَيْرِهِم ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لخُزَيْمَةَ بنِ مالكِ بنِ نَهْدٍ ، قلتُ : هو ابنُ زيدِ بنِ لَيْثِ بنِ سُوْدِ (٧) بنِ أَسْلَمَ بنِ الْحَافي بنِ قُضَاعَةَ :
إذا الْجَوْزَاءُ أَرْدَفَتِ الثُّرَيَّا |
|
ظَنَنْتُ بِآلِ فَاطِمَةَ الظُّنُّونَا |
قلتُ : وبَعْدَهُ :
ظَنَنْتُ بهَا وظَنُّ المَرْءِ حَوْبٌ |
|
وَإِنْ أَوْفَى وإِنْ سَكَنَ الحَجُونَا |
وَحَالَتْ دون ذلِك مِنْ هُمُومِي |
|
هُمُومٌ تُخْرِجُ الدَّاءَ الدَّفِينَا |
قال الْجَوْهَرِيُّ : يَعْنِي فاطِمَةَ بنتَ يَذْكُرَ بنِ عَنَزَةَ أَحَدِ القَارِظَيْنِ.
قال ابنُ بَرِّيّ : ومِثْلُ هذا البيتِ قَوْلُ الآخَرِ :
قَلَامِسَةٌ سَاسُوا الأُمُورَ فأَحْسَنُوا |
|
سِيَاسَتَهَا حَتَّى أَقَرَّتْ لِمُرْدِفِ |
__________________
(١) عن اللسان وبالأصل «من» وفي المبرد : إذا قام عن مجلس الحكم فينظر بين الناس بعده.
(٢) الأصل واللسان ، وفي النهاية : النواجذ.
(٣) كذا بالأصل ، وهو خطأ فالبيت الآتي للفرزدق وهو في ديوانه ١ / ١٧٤ من قصيدة مطلعها :
عرفتَ المنازل من مهددِ |
|
كوحي الزبور لدى الغرقد |
وَفي الديوان برواية «يلهدون» بدل «يكهدون» و «على الظهر» بدل «على العجب».
وَأما بنو كُليب فهم قوم جرير ، بنو كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم.
(٤) سورة النمل الآية ٧٢.
(٥) سورة يوسف الآية ٤١.
(٦) سورة الأنفال الآية ٩.
(٧) عن جمهرة ابن حزم ص ٤٤٣ وبالأصل «ثور».