بقَوْلِه عزَّ وجَلَّ : (يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) (١).
وَقال الفَرَّاءُ في قَوْلِهِ تعالَى : (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) (٢) ، أي : جَعَلَ أُمَّةَ محمَّدٍ صلىاللهعليهوسلم خَلائِفَ كُلِّ الأُمَمِ ، قال : وقيل : (خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) : يَخْلُفُ بَعْضُكُم بَعْضاً ، قال ابنُ السِّكّيتِ : فإِنَّه وَقَعَ (٣) للرِّجَالِ خَاصَةً ، وَالأَجْوَدُ أَنْ يُحْمَلَ علَى مَعْنَاه ، فإِنَّهُ رُبَّمَا يَقَع للرِّجَالِ ، وإِنْ كانتْ فيه الهاءُ ، أَلا تَرَى أَنَّهُمْ قد جَمَعُوه عَلَى خُلَفَاءَ ، قالُوا : ثَلَاثَةُ خُلَفَاءَ لا غَيْرُ ، وقد جُمِعَ خَلَائِف ، فمَنْ قال : خَلَائِفُ ، قال : ثَلَاثُ خَلَائِفَ ، وثَلَاثَةُ خَلَائِفَ ، فمَرَّةً يذهَبُ به إِلَى المعنَى ، ومَرَّةً يذْهَبُ به إلى اللَّفْظِ.
وخَلَفَهُ في قَوْمِهِ ، خِلافَةً ، بالكَسْرِ ، علَى الصَّوابِ ، وَالقياسُ يَقْتَضِيهِ ؛ لأَنَّه بمعْنَى الإِمَارَةِ ، وهكذا ضُبِطَ في نُسَخِ الصِّحاحِ ، وإِن كان إِطْلاقُ المُصَنِّفِ يَقْتَضِي الفَتْحَ.
وَقَوْلُ شَيْخِنا : وهو الذي صَرَّح به ابنُ الأَثِيرِ ، وغيرُه ، وَالصَّوابُ الكَسْرُ ، فيه نَظَرٌ ؛ فإِنَّ الذي صَرَّح به ابنُ الأَثِيرِ : الخَلافَةُ ، بالفَتْحِ ، هو مَصْدَرٌ الخَالِفِ والخَالِفَةِ ، الذي لا غَنَاءَ عِنْدَهُ ، أو كَثِيرُ الإِخْلافِ ، وهذا قد يَجِىءُ لِلْمُصَنِّف لا بمعنَى الإِمَارَةِ ، فتَأَمَّلْ.
وَتقدَّم أَيضاً في ذِكْرِ الفَرْقِ بينَ الخَلَفِ ، والخَلْفِ ، وَالخَالِفَةِ ، أنَّ الخَلَفَ ، مُحَرَّكَةً : مَصْدَرُ خَلَفَهُ ، خَلَفاً ، وَخِلَافةً : كَانَ خَلِيفَتَهُ ، وَاسْمُ الفَاعِلِ منه : خَلِيفَةٌ ، وَخَلِيفٌ ، قال الجَوْهَرِيُّ : ومنه قَوْلُه تعالَى : (وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) (٤).
وخَلَفَهُ أَيضاً : بَقِيَ بَعْدَهُ ، وَفي الصِّحاحِ : جاءَ بَعْدَه ، وَبَيْنَ الفِعْلَيْنِ فَرْقٌ ، مَرَّ قريباً في كلامِ ابنِ بَرِّيّ.
وخَلَفَ فَمُ الصَّائمِ خُلُوفاً ، وخُلُوفَةً ، بضَمِّهِمَا علَى الصَّوابِ ، ولو أنَّ إِطْلاقَ المُصَنِّفِ يَقْتَضِي فَتْحَهُمَا ، وعلَى الأَوَّلِ اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ ، وكذا خِلْفَةً ، بالكَسْرِ ، كما في اللِّسَانِ : تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ ، وَمنه الحدِيثُ : «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ الله مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» ، قال شيخُنَا : الخُلُوفُ ، بالضَّمِّ ، بمعنَى تَغَيُّرِ الفَمِ هو المَشْهُورُ ، الذي صَرَّح به أَئِمَّةُ اللُّغَةِ ، وحكَى بعضُ الفُقَهاءِ والمُحَدِّثين فَتْحَهَا ، واقْتَصَرَ عَلَيه الدَّمِيرِيُّ في شَرْحِ الْمِنْهَاجِ ، وأَظُنُّه غَلَطاً ، كما صرَّح به جَمَاعَةٌ ، وقال آخَرُونَ : الفَتْحُ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ ، والله أَعلمُ ، وفي رِوايَةِ : «خِلْفَةُ فَمِ الصَّائِمِ» وسُئِلَ عليٌّ رضياللهعنه عن القُبْلَةِ للصَّائمِ ، فقَالَ : «ومَا أَرَبُكَ إِلَى خُلُوفِ فِيهَا؟» كَأَخْلَفَ ، لُغَةٌ في خَلَفَ ، أي : تَغَيَّرَ طَعْمُه ، نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ ، ومِنْهُ نَوْمَةُ الضُّحَى مَخْلَفَةٌ لِلْفَمِ ، وَفي بعضِ الأُصُولِ (٥) : نَوْمُ الضُّحَى ، ومَخْلِفَةٌ ، ضَبَطُوه بضَمِّ المِيمِ وفَتْحِهَا ، مع كَسْرِ اللامِ وفَتْحِهَا ، أيّ تُغَيِّرُ الفَمَ.
وخَلَفَ اللَّبَنُ ، والطَّعَامُ : إذا تَغَيَّرَ طَعْمُهُ ، أو رَائِحَتُهُ [كأَخْلَفَ] (٦) ، كما في الصِّحاحِ ، وهو مِن حَدِّ نَصَرَ ، ورُوِيَ : خَلُفَ ككَرُمَ ، خُلُوفاً ، فيهما ، وقيل : خَلَفَ اللَّبَنُ خُلُوفاً : إذا أُطِيلَ إنْقَاعُهُ حتى يَفْسُدَ ، وفي الأَسَاسِ : أي خَلَفَ طَيِّبَه تَغَيُّرُه ، أي : خَلط ، وهو مَجازٌ ، وقال اللِّحْيَانِيُّ : خَلَفَ الطَّعَامُ والفَمُ ، يَخْلُفُ ، خُلُوفاً : إذا تَغَيَّرَا ، وكذا ما أَشْبَهَ الطَّعَامَ والْفَمَ.
وخَلَفَ فُلانٌ : فَسَدَ ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن ابنِ السِّكِّيتِ ، وَمنه قَوْلُهُم : عبْدٌ خَالِفٌ ، أي فَاسِدٌ ، وهو مِن حَدِّ نَصَر ، وَمَصْدَرُه الخَلْفُ ، بالسُّكُونِ ، ويجوزُ أَن يكونَ من باب كَرُم ، فهو خَالِفٌ ، كحَمُضَ ، فهو حَامِضٌ.
وخَلَفَ الرَّجُلُ : صَعِدَ الْجَبَلَ ، نَقَلَهُ الصَّاغَانِيُّ.
وخَلَفَ فُلَانًا يَخْلُفُه : أَخَذَهُ مِن خَلْفِهِ ، وَمنه خَلَفَ له بالسَّيْفِ : إذا جَاءَه مِن خَلْفِهِ ، فضَرَبَ عُنُقَهُ.
وخَلَفَ الله تَعَالَى عَلَيْكَ خَلَفاً ، وخِلافَةً أي : كَانَ خَلِيفَةَ مَن فَقَدْتَهُ عَلَيْكَ.
ويُقَالُ : خَلَفَ بَيْتَهُ يَخْلُفُه ، خَلَفاً ، جَعَلَ لَهُ خَالِفَةً ، أي : عَمُوداً في مُؤَخَّرِه.
وخَلَفَ أَبَاهُ ، يَخْلُفُه ، خَلَفاً ، صَارَ خَلْفَهُ ، أي لا علَى جَهَةِ البَدَلِ ، فهو خَالِفٌ ، أي : مُتَخَلفٌ عنه.
__________________
(١) سورة ص الآية ٢٦.
(٢) سورة يونس الآية ١٤ وبالأصل «وجعلناكم».
(٣) يعني «قوله : «خليفة» كما صرح به في التهذيب.
(٤) سورة الأعراف الآية ١٤٢.
(٥) كما في اللسان.
(٦) ما بين معقوفتين سقط من الأصل واستدركت عن القاموس ، وقد نبه إلى هذا السقط بهامش المطبوعة المصرية.