قلتُ : قالَ بَعْضُهُم : إِنَّ الرَّجَزَ للعَجّاجِ ، قلتُ : الصَّوابُ أَنَّهُ لرُؤْبَةَ يَصِفُ تَمِيماً ، والرِّوايَةُ :
إِنَّ تَمِيماً لَمْ يُرَاضِعْ مُسْبَعاً |
|
وِلَمْ تَلِدْهُ أُمُّهُ مُقَنَّعَا |
فتَمَّ يُسْقَى ، وأَبَى أَنْ يَرْضَعَا |
|
قالَ الحَوَازِي ـ وأَبَى أَنْ يُنْشَعَا ـ |
أَشَرْيَةٌ فِي قَرْيَةٍ ما أَشْنَعَا (١) |
|
وِغَضْبَةٌ فِي هَضْبَةٍ ما أَمْنَعَا |
هكَذَا أَنْشَدَهُ اللَّيْثُ ، وقالَ : أَبَى أَنْ يُعْطَى أَجْرَ الحَازِي ، هكَذَا فَسَّرَه ، وغَلِطَ الجَوْهَرِيُّ في إِنشادِ الرَّجَزِ ، فأَنْشَدَ على مَعْنًى ذَكَرَه ، كَما تَقَدَّمَ ، أَي : أَوْرَدَهُ تَحْتَ قَوْلهِ : وقدْ نَشَعْتُ الصَّبِيَّ الوَجُورَ ، وأَنْشَعْتُه ، مِثْلُ : وَجَرْتُه ، وأَوْجَرْتُه ، وفي التَّكْمِلَةِ : قالَ رُؤْبَةُ : و «يا هِنْدُ ...» مُقَدَّمٌ ، و «قالَ الحَوَازِي ..» مُؤَخَّرٌ ، وبَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ مائَةٍ وخَمْسِينَ مَشْطُورًا. قلتُ : ولَمْ يُورِدِ الأَزْهَرِيُّ ولا ابْنُ سِيدَه هذَا الرَّجَزَ إِلّا الشّطْرَ الأَوَّلَ ، هكَذَا :
قالَ الحَوَازِي واسْتَحَتْ أَنْ تُنْشَعَا
ثُمَّ قالَ ابنُ سِيدَه : الحَوازِي : الكَوَاهِنُ ، واسْتَحَتْ أَنْ تَأْخُذَ أَجْرَ الكَهَانَةِ ، وفي التَّهْذِيبِ : «واشْتَهَتْ أَنْ تُنْشَعَا».
قلتُ : وفي بَعْضِ نُسَخِ العَيْنِ : «وأَبَتْ أَنْ تُنْشَعَا». وقالَ ابنُ بَرِّيّ : البَيْتَانِ اللَّذَانِ أَوْرَدَهُمَا الجَوْهَرِيُّ مِنَ الأُرْجُوزَةِ لا يَلِي أَحَدُهُما الآخَرَ ، والضَّمِيرُ فِي «يُنْشَعَا» غيرُ الَّذِي في «تَسَعْسَعَا» لأَنَّه يَعُودُ فِي «يُنْشَعَا» على تَمِيمٍ أَبِي القَبِيلَةِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِه. ـ قَبلَ هذَا البَيْتِ ـ : «إِنَّ تَمِيماً ... الخ» ثُمَّ قالَ بَعْدَه :
أَشَرْيَةٌ فِي قَرْيَةِ ما أَشْنَعَا
أَي : قالَتِ الحَوازِي هذَا المَوْلُود شَرْيَةٌ في قَرْيَةٍ ، أَي : حَنْظَلَةٌ فِي قَرْيَةِ نَمْلٍ ، أَي : تَمِيمٌ وأَوْلادُه مُرُّونَ كالحَنْظَلِ ، كَثِيرُونَ كالنَّمْلِ ، قال ابنُ حَمْزَةَ : ومَعْنَى : «أَن يُنْشَعَا» أَي أَنْ يُؤْخَذَ قَهْرًا ، فتَأَمَّلْ ذلِك.
وِقالَ ابنُ عَبّادٍ : أَنْشَعَ فُلاناً بِشَرْبَةٍ : إِذا أَغاثَهُ بِهَا وهُوَ مَجَازٌ. وانْتَشَعَ الرَّجُلُ : مِثْلُ : اسْتَعَطَ ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
وِانْتَشَعَ : انْتَزَعَ الشَّيْءَ بعُنْفٍ ، وقد تَقَدَّمَ ذلِكَ في كَلامِ المُصَنِّفِ عِنْدَ ذِكْرِ النُّشاعَةِ.
وِالمِنْشَعُ ، كمِنْبَرٍ : المُسْعُطُ عَن ابْنِ دُرَيْدٍ ، وذَكَرَه ابنُ بَرِّيٍّ أَيْضاً ، ولَيْسَ فِي نَصِّهِمَا ما يَدُلُّ عَلَى أَنَّه كمِنْبَرٍ ، والمَعْرُوفُ أَنَّهُ كالمُسْعُطِ زِنَةً ومَعْنًى ، فتأَمَّلْ.
* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليهِ :
النَّشْعُ ، بالفَتْحِ : جُعْلُ الكاهِنِ ، كما فِي المُحْكَمِ ، ونَشَعَ الكاهِنَ نَشْعاً : جَعَلَ لَهُ جُعْلاً ، كَما فِي الأَسَاسِ.
وذَاتُ النُّشُوعِ : فَرَسُ بِسْطَامِ بنِ قَيْس ، هُنَا ذَكَرَهُ صاحِبُ اللِّسَانِ ، وقَدْ تَقَدَّمَ في «ن س ع» و «ن س ر».
وقالَ أَبُو حَنِيفَةَ : قالَ الأَحْمَرُ : نَشَعَ الطِّيبَ : شَمَّهُ.
وِالنَّشْعُ ، مُحَرَّكَةً ، مِنَ الماءِ ، ما خَبُثَ طَعْمُه.
[نصع] : النّاصِعُ : الخالِصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُقَال : أَبْيَضُ ناصِعٌ ، وأَصْفَرُ نَاصِعٌ ، وقالَ الأَصْمَعِيُّ : كُلُّ ثَوْبٍ (٢) خالِصِ البَيَاضِ ، أَو الصُّفْرَةِ ، أَو الحُمْرَةِ ، فهُو ناصِعٌ ، كما فِي الصِّحاحِ ، وفِي اللِّسَانِ : النّاصِعُ : البالِغُ مِنَ الأَلْوانِ ، الخالِصُ مِنْهَا ، الصّافِي ، أَيّ لَوْنٍ كانَ ، وأَكْثَرُ ما يُقَالُ فِي البَيَاضِ ، قالَ أَبُو النَّجْمِ :
إِنَّ ذَوَاتِ الأُزْرِ والبَرَاقِعِ |
|
وِالبُدْنِ فِي ذاكَ البَياضِ النّاصِعِ |
لَيْسَ اعْتِذَارٌ عِنْدَها بنافِعِ
وقد نَصَع ، كمَنَعَ ، نَصَاعَةً ، ونُصُوعاً : خلَصَ ، ومِنْهُ الحَدِيثُ : «المَدِينَةُ كالكِيرِ تَنْفِي خَبَثَها ، وتَنْصَعُ طِيبَها» أَجْمَعَ رُوَاةُ الصَّحِيحَيْنِ عَلَى أَنَّه مِنَ النُّصُوعِ ، وهُوَ الخُلُوصُ ، إِلّا الزَّمَخْشَرِيَّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ فإِنَّهُ قالَ :«تُبْضِعُ» بالمُوَحَّدَةِ والضّادِ المُعْجَمَةِ ، وقد ذُكِرَ فِي مَوْضِعِه.
وِمِنَ المَجَازِ : نَصَعَ الأَمْرُ نُصُوعاً : إِذا وَضَحَ وبَانَ ، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيّ للَقِيطٍ الإِيَادِيِّ :
إِنِّي أَرَى الرَّأْيَ إِنْ لَمْ أُعْصَ قَدْ نَصَعَا
__________________
(١) التكملة : ما أشفعا.
(٢) في الصحاح المطبوع : «كل لون» وبهامشه : في المخطوطة : كل ثوب.