وقال أَبُو جَعْفَرِ بنُ حَبِيب النَّسّابَةُ : لم تَزَلْ قُضَاعَةُ في الجاهِلِيَّةِ والإِسْلام تُعْرَفُ بمَعَدٍّ ، حَتّى كانَت الفِتْنَةُ بالشّامِ بينَ كَلْبٍ وقَيْسِ عَيْلانَ أَيّامَ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ ، فمالَ كَلْبٌ يَوْمَئذٍ إِلى اليَمَنِ ، وانْتَمَتْ إِلى حِمْيَر اسْتِظْهَاراً مِنْهُم بِهم إِلى قَيْسٍ ، وذَكَرَ ابنُ الأَثِيرِ في الأَنْسَابِ هذا الاخْتِلافَ ، ثم قالَ : ولِهذَا قالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلّامٍ البَصْرِيُّ النَّسّابَةُ لَمّا سُئلَ : أَنِزارٌ أَكثرُ أَم اليَمَن؟ فقالَ : إِنْ تَمَعْدَدَتْ قُضَاعَةُ فنِزَارٌ أَكثَرُ ، وإِنْ تَيَمَّنَتْ فاليَمَنُ. أَو لُقِّبَ به لانْقِضاعِهِ عن قَوْمِهِ مع أُمِّه ، وهو انْقِطَاعُه عنهم. وإِخْوَتُه لِامُّه بنُو مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ ، أَو من قَضَعَهُ ، كمَنَعَ : قَهَرَه ، قالَهُ الخَلِيل. وكانُوا أَشَدَّ (١) الكَلْبِيِّين في الحُرُوبِ.
مِنْهُم القاضِي أَبو عَبْدِ الله مُحَمَّدُ بنِ سَلامَةَ بنِ جَعْفَرٍ القُضاعِيُّ ، صاحبُ كِتابِ الشِّهَابِ ، وسَمِيُّه أَبو عَبْدِ الله مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ بنِ عَبْدِ السَّلامِ القُضاعِيُّ ، صاحبُ «المُخْتَارِ في الخِطَطِ والآثَارِ» تُوُفّيَ سنة أَرْبَعِمَائةٍ وأَرْبَعَةٍ وخَمْسِين.
وِالقَضْعُ ، بالفَتْحِ ، عن ابْنِ دُرَيْدٍ ، والقُضَاعُ ، بالضَّمِّ ، عن اللِّحْيَانِيِّ ، وكذلِكَ التَّقْضِيعُ : وَجَعٌ فِي بَطْنِ الإِنْسَانِ.
وِالتَّقْضِيعُ : تَقْطِيعٌ فيه وداءٌ.
وِانْقَضَعَ عَنْه : بَعُدَ.
وِتَقَضَّعَ الشَّيْءُ : تَقَطَّعَ.
وِانْقَضَعَ ، وتَقَضَّعَ : تَفَرَّقَ ، وقالَ ابنُ فارِسٍ : الانْقِضَاعُ والتَّقَضُّع ، من باب الإِبْدَالِ ، أَي من الانْقِطَاعِ والتَّقَطُّعِ.
[قطع] : قَطَعَه ، كمَنَعَه ، قَطْعاً ، ومَقْطَعاً ، كمَقْعَدٍ ، وتِقِطّاعاً ، بكَسْرَتَيْنِ مُشَدَّدَةَ الطّاءِ ، وكَذلِكَ التِّنِبّالُ والتِّنِقّامُ ، والتِّمِلّاقُ ، هذِه المَصَادِرُ كُلُّهَا جاءَتْ على تِفِعّالٍ ، كَمَا في العُبابِ. وفاتَه قَطِيعَةً وقُطُوعاً ، بالضَّمِّ ، ومن الأَخِيرِ قَوْلُ الشّاعِرِ :
فما بَرِحَتْ حَتَّى اسْتَبانَ سقابُهَا |
|
قُطُوعاً لِمَحْبُوكٍ مِنَ اللِّيفِ حادِرِ (٢) |
: أَبَانَهُ من بَعْضِه فَصْلاً ، وقالَ الرّاغِبُ : القَطْعُ قد يكونُ مُدْرَكاً بالبَصَرِ ، كقَطْعِ اللَّحْمِ ونحوِه ، وقد يكونُ مُدْرَكاً بالبَصِيرَةِ ، كقَطْعِ السَّبِيلِ ، وذلك (٣) على وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا يُرَادُ به السَّيْرُ والسُّلُوكُ ، والثّانِي يُرَادُ بهِ الغَصْبُ من المارَّةِ والسّالِكِينَ ، كقَوْلهِ تَعَالَى : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) (٤) سُمِّيَ قَطْعَ الطّرِيقِ ، لأَنَّه يُؤَدِّي إلى انْقِطَاعِ النّاسِ عن الطَّرِيقِ (٥) ، وسَيَأْتِي.
وِمِنَ المَجَازِ : قَطَعَ النَّهْرَ قَطْعاً وقُطُوعاً بالضمِّ : عَبَرَهُ :كما في الصّحاح ، واقْتَصَرَ علَى الأَخِيرِ من المَصَادِرِ أَو شَقَّهُ وجازَهُ ، والفَرْقُ بين العُبُورِ والشَّقِّ : أَنَّ الأَوّلَ يَكُونُ بالسَّفِينَةِ ونَحْوِهَا ، وأَمّا الثّانِي فبالسَّبْحِ فيه والعَّوْمِ.
وِقَطَعَ فُلاناً بالقَطِيعِ ، كأَمِيرٍ ـ السَّوْطِ أَو القَضِيبِ ، كَمَا سَيَأْتِي ـ : ضَرَبَهُ به ، حَكاهُ الفَارِسيُّ قالَ : كما يُقَالُ :سُطْتُه بالسَّوْطِ.
وِمن المَجَازِ : قَطَعَ خَصْمَهُ بالحُجَّةِ ، وفي الأَساسِ بالمُحَاجَّةِ (٦) : غَلَبَه وبَكَّتَه فَلَمْ يُجِبْ ، كَأَقْطَعَهُ ويُقَالُ : أَقْطَعَ الرَّجُلُ أَيْضاً ، إِذا بَكَّتُوه ، كما سَيَأْتِي.
وِمِنَ المَجَازِ : قَطَعَ لِسَانَهُ قَطْعاً : أَسْكَتَه بإِحْسانِه إِلَيْهِ ، ومنهالحَدِيثُ : «اقْطَعُوا عَنِّي لِسَانَه» قالَهُ للسّائِلِ. أَي :أَرْضُوهُ حَتَّى يَسْكُتَ. وقالَ أَيْضاً لِبِلالٍ : «اقْطَعْ لِسَانَه» أَي العَبّاسِ بنِ مِرْداسٍ ، فكَسَاهُ حُلَّتَه ، وقِيلَ : أَعْطَاهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَماً ، وأَمَرَ علِيًّا ـ رَضِيَ الله عَنهُ ـ في الكَذّابِ الحِرْمَازِيِّ بمِثْلِ ذلِكَ ، وقالَ الخَطّابِيُّ : يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هذا مِمّنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ المالِ ، كَابْنِ السَّبِيلِ. وغَيْره ، فتَعَرَّضَ لَهُ بالشِّعْرِ ، فأَعْطَاهُ بحَقِّهِ ، أَو لحاجَتِه لا لشِعْرِهِ.
وِمِنَ المَجَازِ : قَطَعَ ماءُ الرَّكِيَّةِ قُطُوعاً ، بالضَّمِّ ، وقِطَاعاً ، بالفَتحِ والكَسْرِ : ذَهَبَ ، وقَلَّ ، كانْقَطَعَ ، وأَقْطَعَ ، الأَخِيرُ عن ابنِ الأَعْرَابِيّ.
__________________
(١) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : وكانوا أَشد الكلبيين عبارة اللسان :أشداء كلبين وليحرر» ومثله في التهذيب «قضع» ١ / ١٧٣.
(٢) ويروى :
فما رويت حتى استبان سُقاتها
(٣) عبارة المفردات : القطع فصل الشيء مدركاً بالبصر كالأجسام أو مدركاً بالبصيرة كالأشياء المعقولة فمن ذلك قطع الأعضاء ... وقطع الطريق يقال على وجهين ...
(٤) سورة العنكبوت الآية ٢٩.
(٥) عبارة المفردات : وإنما سمي ذلك قطع الطريق لأنه يؤدي إلى انقطاع الناس عن الطريق.
(٦) في الأساس : في المحاجة.