تَعالَى : (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ) (١) ـ : إِنَّه يَتَعَدَّى بنَفْسِه ، ولا يَتَعَدَّى بَعلَى ، كما تَوَهَّمَه بعضٌ ، حَتّى يَكُونَ من الحَذْفِ والإِيصالِ ، نَقَلَه شيْخُنَا ، ثُمَّ قالَ : ولكن استَدَلَّ الشِّهَابُ في العِنَايَة بما للمُصَنِّفِ ، فقال : لكِن في القامُوسِ «اطَّلَع عَليْه» فكأَنَّهُ يَتَعَدَّى ولا يَتَعَدَّى ، والاسْتِدْلالُ بغير شَاهدٍ غيرُ مفِيدٍ. انْتَهَى.
قلتُ : الَّذِي صَرَّحَ به أَئِمَّةُ اللُّغَةِ أَنّ طَلَع عليه ، واطَّلَعَ عليه ، وأَطْلَع عليه بمَعْنًى وَاحِدٍ ، واطَّلَعَ على بَاطِنِ أَمْرِهِ ، واطَّلَعَه : ظَهَرَ له وعَلِمَه ، فهو يَتَعَدَّى بنَفْسِه وبعَلَى ، كما فِي اللِّسَانِ بهؤُلاءِ قُدْوَةً ، لا سِيَّما الجَوْهَرِيّ إِذا قالَتْ حَذامِ ، فلا عِبْرَةَ بقَوْلهِ : والاسْتِدْلالُ بهِ إِلى آخِرِهِ ، وكذا كَلَامُ السَّمِينِ يُتَأَمَّلُ فيه ، فإِنَّ إِنْكَارَه قُصورٌ.
وِاطَّلَعَ هذِه الأَرْضَ : بَلَغَهَا ، ومِنْهُ قَوْلُه تَعَالَى : (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) (٢) ، قالَ الفَرّاءُ : أَي يَبْلُغ أَلَمُهَا الأَفْئِدَةَ ، قال : والاطِّلاعُ والبلُوغُ قد يَكُونُ (٣) بمَعْنًى وَاحِدٍ ، وقالَ غيْرُه : أَي تُوفِي عليها فتَحْرِقُهَا ، من اطَّلَعْتُ عليه ، إِذا أَشْرَفْتَ ، قالَ الأَزْهَرِيُّ : وقولُ الفَرّاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ ، وإِليه ذَهَبَ الزَّجّاجُ.
وِالمُطَّلَعُ للمَفْعولِ : المَأْتَى ، يقَال : ما لِهذَا الأَمْرِ مُطَّلَعٌ ، أَي وَجْهٌ ، ولا مَأْتًى يُؤْتَى إِليْه. ويقَالُ : أَيْنَ مُطَّلَعُ هذا الأَمْرِ ، أَي مَأْتَاه ، وهو مَوْضِعُ الاطِّلاعِ من إِشْرَافِ إِلى انْحِدَارٍ ، وهو مَجَازٌ.
وِقولُ عمَرَ رضِيَ الله تَعالَى عنه : «لو أَنَّ لي ما فِي الأَرْضِ جَمِيعاً لافْتَدَيْتُ بهِ من هَوْلِ المُطَّلَعِ» يرِيد بهِ المَوْقِفَ يومَ القِيَامَةِ ، تَشبِيهٌ لما يُشْرَفُ عليهِ من أَمْرِ الآخِرَة عَقِيبَ المَوْتِ بذلِكَ ، أَي : بالمُطَّلَع الَّذِي يُشْرَفُ عليه من مَوْضِعٍ عالٍ.
وقالَ الأَصْمَعِيُّ : وقد يَكُونُ المُطَّلَعُ : المَصْعَدَ من أَسْفَل إِلى المَكَانِ المُشْرِفِ ، قال : وهوَ من الأَضْدادِ ، وقد أَغْفَلَهُ المصَنِّفُ ، ومن ذلِكَ في الحَدِيثِ : «ما نَزَلَ من القُرْآنِ آيَةٌ إِلّا لها ظَهْرٌ وَبَطْنٌ ، ولكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ ، ولكُلِّ حَدٍّ مُطَّلَعٌ» أَي مَصْعَدٌ يُصْعَد إِليْه ، يعنِي مِنْ مَعْرِفَةِ عِلْمِه ، ومِنْه قَوْلُ جَرِيرٍ يَهْجو الأَخْطَلَ :
إِنِّي إِذا مُضَرٌ عَلَيَّ تَحَدَّبَتْ |
|
لَاقيْتُ مُطَّلَعَ الجِبَالِ وُعُوراً |
هكَذَا أَنْشَدَه ابنُ بَرِّيّ والصّاغَانِيّ. ومن الأَوّلِ قولُ سُوَيْدِ بنِ أَبِي كاهِلٍ :
مُقْعِياً يَرْمِي صَفَاةً لمْ تُرَمْ |
|
في ذُرَا أَعْيَطَ وَعْرِ المُطَّلَعْ |
وقِيلَ : مَعْنَى الحَدِيث : أَنَّ لِكُلِّ حَدٍّ منْتَهَكاً يَنْتَهِكُه مُرْتكِبُه ، أَي أَنَّ الله لم يُحَرِّم حُرْمَةً إِلّا عَلِم أَنْ سَيَطْلُعُهَا مُسْتَطْلِعٌ.
وِمن المَجَازِ : المُطَّلِعُ ، بكَسْرِ الّلامِ : القَوِيُّ العَالِي القاهِر ، من قَوْلِهِمْ : اطَّلَعْتُ على الثَّنِيَّةِ ، أَي عَلَوْتُهَا ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ في «ض ل ع» ورَوَى أَبو الهيْثَمِ قَوْلَ أَبِي زُبَيْدٍ :
أَخُو المَوَاطِنِ عَيّافُ الخَنَى أُنُفٌ |
|
للنّائِباتِ ولَوْ أُضْلِعْنَ مُطَّلِعُ |
أُضْلِعْنَ : أُثْقِلْنَ. ومُطَّلِعٌ وهو القَوِيُّ على الأَمْرِ المُحْتَمِل ، أَراد مُضْطَلِعٌ فأَدْغَمَ ، هكَذَا رَوَاه بخَطِّه ، قالَ :ويُرْوَى : «مُضْطَلِعُ» وقال ابنُ السِّكِّيت : يقَالُ : هو مُضْطَلِعٌ بِحِمْلِه ، كما تَقَدَّمَ ، ويُرْوَى قَوْلُ ابنِ مُقبِلٍ :
إِنّا نَقُومُ (٤) بجُلّانَا فيَحْمِلُها |
|
مِنَّا طَوِيلُ نِجَادِ السَّيْفِ مُطَّلِعُ |
ويُرْوَى «مُضْلَعٌ» وهما بمَعْنًى.
وِطَالَعَه طِلَاعاً ، بالكَسْرِ ، ومُطَالَعَةً : اطَّلَعَ عليه ، وهو مَجَازٌ ، يقالُ : طَالَعْتُ ضَيْعَتِي ، أَي نَظَرْتُها ، واطَّلَعْتُ عَليْهَا ، وقالَ اللَّيْثُ : الطِّلَاعُ : هو الاطِّلَاعُ ، وأَنْشَدَ لحُمَيْدِ بنِ ثَوْرٍ :
فكانَ طِلَاعاً من خَصَاصٍ ورِقبَةٍ |
|
بَأَعْيُنِ أَعْدَاءٍ وطَرْفاً مُقَسَّما |
وقال الأَزْهَرِيُّ : قَوْلُه : طِلاعاً ، أَي : مُطَالَعَةً ، يُقَالُ :طالَعْتُه طِلاعاً ومُطَالَعَةً ، قالَ : وهو أَحْسَنُ من أَنْ تَجْعَلَه اطِّلَاعاً ؛ لأَنَّهُ القِيَاسُ في العَرَبِيَّةِ.
__________________
(١) سورة مريم الآية ٧٨.
(٢) سورة الهمزة الآية ٧.
(٣) التهذيب واللسان : يكونان.
(٤) عن المطبوعة الكويتية وبالأصل «نقدم».