ليس بجِسْم ، وقِيلَ : أَيْ كَثِيرٍ. فوَضَعَ العَرِيضَ مَوْضِعَ الكَثِيرِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْدَارٌ ، وكَذلِك لَوْ قِيلَ : أَيْ طَوِيل. لَوُجِّهَ على هذَا ، كما في اللّسَان.
قلتُ : وإِطْلاقُ العَرِيضِ على الطَّوِيل حِينَئذِ من الأَضْدَادِ ، فَتأَمَّلْ. وأَمّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (وَجَنَّةٍ) عَرْضُهَا.
الآية ، فقال المُصَنِّفُ في البَصَائِرِ : إِنَّه يُؤَوَّل بأَحَدِ وُجُوهٍ : إِمّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ عَرْضَهَا في النَّشْأَةِ الآخِرَةِ كعَرْضِ السَّماواتِ والأَرْضِ في النَّشْأَةِ الأُولَى ، وذلِك أَنَّهُ قد قَالَ : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) (١) فلا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ السَّمواتُ والأَرْضُ في النَّشْأَةِ الآخِرَةِ أَكْبَرَ مِمَّا هي الآن.
وسَأَلَ يَهُودِيٌّ عُمَرَ ، رَضِيَ الله عنه ، عن الآيَةِ وقال : فأَيْنَ النَّارُ؟ فقال عُمَرُ : فإِذا جاءَ اللَّيلُ فأَيْنَ النَّهَارُ؟ وقِيلَ يَعْنِي بِعَرْضِهَا سَعَتَهَا ، لَا مِنْ حَيْثُ المساحَةُ ، وهذا كقَوْلِهِم : ضاقَتِ الدُّنْيا على فُلانٍ كحَلْقَةِ خَاتَمٍ. وسَعَةُ هذِه الدَّارِ كسَعَةِ الأَرْضِ ، وقيل : عَرْضُهَا : بَدَلُهَا وعِوَضُهَا ، كقَوْلِكَ : عَرْضُ هذا الثَّوْبِ كَذَا وكَذَا ، والله أَعْلَم (٢).
وقال ابنُ دُرَيْدٍ : العَرْضُ : الوَادِي وأَنْشَدَ :
أَما تَرَى بِكُلِّ عَرْضٍ مُعرِضِ |
|
كُلَّ رَدَاحٍ دَوْحَةِ المُحَوَّضِ (٣) |
والعَرْضُ : أَنْ يَذْهَبَ الفَرَسُ في عَدْوِه. وقد أَمالَ رَأْسَهُ وعُنُقَهُ ، وهو مَحْمُودٌ في الخَيْلِ مَذْمُومٌ في الإِبِل ، وقد عَرَضَ إِذا عَدَا عَارِضاً صَدْرَه ورَأْسَهُ مَائِلاً. قال رُؤْيَةُ :
يَعْرِضُ حَتَّى يَنْصِبَ الخَيْشُومَا
وقد فَرَّق المُصَنِّف هذَا الحَرْفَ في ثَلاثَةِ مَوَاضِعَ ، وهُوَ غَرِيبٌ ، وسَيَأْتي الكَلامُ على المَوْضعِ الثّالِث.
والعَرْضُ : أَنْ يُغْبَنَ الرَّجلُ في البَيْعِ ، يقال : عارَضْتُه في البَيْعِ فَعَرَضْتُهُ أَعْرُضُه عَرْضاً ، من حَدّ نَصَر.
والمُعَارَضَة : بَيْعُ العَرْضِ بالعَرْض ، كما سَيَأْتي.
والعَرْضُ : الجَيْشُ ، شُبِّه بالجَبَل في عِظَمِه ، أَوْ بالسَّحَابِ الَّذِي سَدَّ الأُفُقَ. قَال دُرَيْدُ بنُ الصِّمَّة :
بقِيَّة مِنْسَرٍ أَو عَرْض جَيْشٍ |
|
تَضِيقُ به خُرُوقُ الأَرْضِ مَجْرِ |
وقال رُؤْبةُ في رِوَايَة الأَصْمَعِيّ :
إِنَّا إِذا قُدْنَا لِقَوْمٍ عَرْضَا |
|
لم نُبْقِ من بَغْيِ الأَعَادِي عِضَّا |
ويُكْسَرُ ، والجَمْع أَعْراضٌ. ومِنه قَوْل عَمْرِو بنِ مَعْدِ يكرِبَ في عُلَة بنِ جَلْدٍ (٤) حِينَ سَأَلَهُ عُمَرُ ، رَضِيَ الله عَنْهُمَا ، فقالَ : أُولَئِك فَوَارِسُ أَعْرَاضِنَا. أَي جُيُوشِنَا.
والعَرْضُ : الجُنُونُ ، وقد عُرِضَ كعُنِيَ ، ومنه حَدِيثُ خَدِيجَة ، رضي الله عَنْهَا «أَخَاف أَنْ يَكُونَ عُرِضَ له» أَي عَرَضَ له الجِنُّ ، وأَصابَه مِنْهُم مَسٌّ.
والعَرْضُ : أَنْ يَمُوتَ الإِنْسَانُ من غَيْر عِلَّةٍ. ولا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ الإِنْسَان ، فَقَدْ قَال ابنُ القَطّاعِ : عَرَضَتْ ذاتُ الرُّوحِ من الحَيَوَانِ : ماتَت مِنْ غَيْر عِلَّةٍ.
ويُقَالُ : مَضَى عَرْضٌ من اللَّيْلِ ، أَيْ ساعَةٌ مِنْه.
والعَرْضُ : السَّحَابُ مُطْلَقاً ، أَو هو مَا سَدَّ الأُفُقَ منه ، وبه شُبِّهَ الجَرَادُ والجَيْشُ ، كما تَقَدَّمَ. والجَمْعُ عُرُوضٌ. قال ساعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ :
أَرِقْتُ لَهُ حَتَّى إِذَا ما عُرُوضُهُ |
|
تَحَادَتْ (٥) وهَاجَتْهَا بُرُوقٌ تُطِيرُهَا |
والعِرْضُ ، بالكَسْرِ : الجَسَدُ ، عن ابنِ الأَعْرَابِيّ وجَمْعُه الْأَعْرَاضُ. ومنه الحَدِيثُ في صِفَةِ أَهْلِ الجَنَّة : «إِنّمَا هو عَرَقٌ يَجْرِي مِن أَعْرَاضِهِمْ». أَي من أَجْسَادِهم. وقيل : هو كُلُّ مَوْضِعٍ يَعْرَقُ مِنْه ، أَي من الجَسَدِ ، لأَنَّهُ إِذا طَابَتْ مَرَاشِحُه طَابَتْ رِيحُه ، وبه فُسِّر الحَدِيثُ أَيْضاً ، أَي من مَعَاطِفِ أَبْدَانِهِم ، وهي المَوَاضِعُ التي تَعْرَق من الجَسَد.
وقِيل عِرْضُ الجَسَدِ : رَائِحَتُه ، رِائِحَةً طَيِّبَةً كانَتْ أو خَبِيثَةً ، وكذا عِرْضُ غَيْرِ الجَسَدِ. يُقَال : فلانٌ طَيِّبُ
__________________
(١) سورة إبراهيم الآية ٤٨.
(٢) انظر مفردات الراغب فالمصنف كثيراً ما ينقل عنه في البصائر.
(٣) في التهذيب : يقال لكل وادٍ فيه قرى ومياه : عِرْض ، وذكر الشطرين وضبطت «عرض» في الشاهد أيضاً بكسر ففتح.
(٤) ضبطت عن النهاية ، وفي اللسان «خالد».
(٥) عن اللسان وبالأصل «تحارت».