وكَذلِكَ صاحِبُ البَارِعِ والصّاغَانِيّ ، والكَسْرُ هو المَشْهُورُ.
وقَرَأَ الأَعْمَشُ وعاصِمٌ : غَلْظَةً «بالفَتْحِ» وقَرَأَ السُّلَمِيُّ ، وزِرُّ بنُ حُبَيْشٍ ، وأَبانُ بنُ تَغْلِبَ : غُلْظَةً ، بالضّمّ ، وكذلِكَ الغِلاظَةُ بالكَسْرِ ، والغِلَظ ، كَعِنَب ، كُلُّ ذلِكَ ضِدُّ الرِّقَّةِ في الخَلْق والطَّبْعِ والفِعْلِ والمَنْطِقِ والعَيْشِ ونَحْوِ ذلِكَ.
ومَعْنَى الآيَةِ ، أَي شِدَّةً واسْتِطَالَةً.
واسْتَعَارَ أَبُو حَنِيفَةَ الغِلَظَ لِلْخَمْرِ ، واسْتَعَارَهُ يَعْقُوبُ للأَمْرِ فقالَ في الماءِ : «أَمّا ما كَانَ آجِناً وأَمّا مَا كَانَ بَعِيدَ القَعْرِ شَدِيداً سَقْيُهُ ، غَلِيظاً أَمْرُهُ». وقد اسْتَعْمَلَ ابنُ جِنِّي الغِلَظَ في غَيْرِ الجَوَاهِرِ أَيْضاً فقالَ : «إِذا كانَ حَرْفُ الرَّوِيّ أَغْلَظَ حُكْماً عِنْدَهُمْ مِنَ الرِّدْفِ مع قُوَّتِهِ فهو أَغْلَظُ حُكْماً وأَعْلَى خَطَراً من التَّأْسِيسِ ، لبُعْدِه».
والفِعْلُ ككَرُمَ وضَرَبَ ، وعلى الأَوَّلِ اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيّ ، والثّانِيَةُ نَقَلَهَا الصّاغَانِيّ ، قال : وقَرَأَ نُبَيْحٌ وأَبُو وَاقِدٍ والجَرّاحُ واغْلِظْ عَلَيْهِم (١) بكَسْرِ اللاَّمِ ، في التَّوْبَةِ والتَّحْرِيمِ.
فهو غَلِيظٌ وغُلَاظٌ ، كغُرَابٍ ، والأُنْثَى غَلِيظَةٌ ، وجَمْعُهَا غِلَاظٌ ، ومِنْهُ قولُه تعالَى : (عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ) (٢).
وقال العَجَّاجُ :
قَدْ وَجَدُوا أَرْكَانَنَا غِلاظَا
والغَلْظُ ، بالفَتْحِ : الأَرْضُ الخَشِنَةُ ، عن ابْنِ عَبّادٍ.
ورَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عن النَّضْرِ : الغَلْظُ : الغَلِيظُ من الأَرْضِ ، ورُدَّ ذلِكَ عَلَيْهِ ، وقِيلَ : إِنّمَا هو الغِلَظُ ، قالُوا : ولم يَكُنِ النَّضْرُ بِثقَةٍ ، ونَقَلَ ابنُ سِيدَه قَوْلَهم : أَرْضٌ غَلِيظَة : غَيْرُ سَهْلَةٍ ، وقد غَلُظَتْ غِلَظاً ، ورُبما كُنِيَ عن الغَلِيظِ من الأَرْضِ بالغِلَظِ ، قالَ : فلا أَدْرِي أَهو بمعْنَى الغَلِيظِ ، أَم هو مَصْدَرٌ وُصِفَ به؟. قُلْتُ : ومِمّا يُؤَيِّد أَبا حَنِيفَةَ قَوْلُ كُرَاع : الغَلْظُ من الأَرْضِ : الصُّلْبُ من غَيْرِ حِجَارَةٍ. فَتَأَمَّلْ.
وأَغْلَظَ الرَّجُلُ : نَزَلَ بِهَا ، عَن ابْنِ عَبّادٍ. وقال الكِسَائِي : الغَلْظُ : الغِلَظُ ، كما في التَّكْمِلَة ، فهو أَيْضاً تَأْكِيدٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وأَغْلَظَ الثَّوْبَ : وَجَدَهُ غَلِيظاً أَو اشْتَرَاهُ كذلِكَ ، الأَخِيرُ عن الجَوْهَرِيّ ، وقد رَدَّ عليه الصّاغَانِيّ بقَوْلِهِ : ولَيْسَ هو من الشِّراءِ في شَيْءٍ ، وإِنّمَا هو من بَابِ أَفْعَلْتُه ، أَيْ وَجَدْتُهُ علَى صِفَةٍ من الصِّفاتِ ، كقَوْلِهمْ : أَحْمَدْتُهُ وأَبْخَلْتُهُ ، كما في التَّكْمِلَةِ. وفي العُبَابِ : والأَوَّلُ أَصَحُّ.
وأَغْلَظَ لَهُ في القَوْلِ : خَشَّنَ ، وهو مَجازٌ ، ولا يُقَالُ فيه غَلَّظَ.
وغَلُظَتِ السُّنْبُلَةُ واسْتَغْلَظَتْ : خَرَجَ فِيها الحَبُّ (٣) ، ومِنْه قَوْلُهُ تَعالَى : فَاسْتَغْلَظَ (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) (٤). وكذلِكَ جَمِيعُ النَّبَاتِ والشَّجَرِ إِذا اسْتَحْكَمَتْ نِبْتَتُه وصارَ غَلِيظاً.
وبينهما غِلْظَةٌ بالكسر ، ومُغَالَظَةٌ ، أَيْ عَدَاوَةٌ ، عن ابنِ دُرَيْد.
وغَلَّظَ عَلَيْهِ الشَّيْءَ تَغْلِيظاً ، ومِنْهُ الدِّيَةُ المُغَلَّظَةُ ، كمُعَظَّمَةٍ ، وهي الَّتِي تَجِبُ في شِبْهِ العَمْدِ ، كما في الصّحاح. وقال الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله تَعالَى : الدِّيَةُ المُغَلَّظَةُ في العَمْدِ المَحْضِ ، والعَمْدِ الخَطَإِ [وفي القَتل في الشهر الحرام] (٥) والبَلَدِ الحَرَامِ ، وقَتْلِ ذِي الرَّحِمِ ، وهِيَ ثَلاثُونَ حِقَّةُ مِنَ الإِبِلِ ، وثَلاثُونَ جَذَعَةً ، وأَرْبَعُونَ ما بَيْنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى بازِلِ عامِهَا ، كُلُّها خَلِفَةٌ ، أَي حامِلٌ.
واسْتَغْلَظَهُ ، أَي الثَّوْبَ : تَرَكَ شِرَاءَهُ ، لِغلَظِهِ ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ.
* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه :
غَلَّظَ الشَّيْءَ تَغْلِيظاً : جَعَلَهُ غَلِيظاً.
وعَهْدٌ غَلِيظٌ ، أَي مُؤَكَّدٌ مُشَدَّدٌ ، وهو مَجازٌ. ويُقَال : حَلَفَ بِأَغْلاظِ اليَمِينِ (٦).
ورَجُلٌ غَلِيظٌ ، أَي فَظٌّ ، ذُو قَساوَةٍ. ورَجُلٌ غَلِيظُ القَلْبِ ، أَي سَيِّءُ الخُلُقِ. وأَمْرٌ غَلِيظٌ : شَدِيدٌ صَعْبٌ. وماءُ غَلِيظٌ : مُرٌّ. وكُلُّ ذلِكَ مَجَازٌ.
__________________
(١) سورة التوبة الآية ٧٣.
(٢) سورة التحريم الآية ٦.
(٣) اللسان : القمح.
(٤) سورة الفتح الآية ٢٩.
(٥) زيادة عن التهذيب «غلظ».
(٦) في الأساس : «وحلف له بأغلظ الايمان» وفي التهذيب : وتغليظ اليمين : تشديدها وتوكيدها.