قُلتُ : ووَجَدْتُ بخَطِّ أَبِي زَكَرِيّا ، قال الهَرَوِيُّ : قَولُ الجَوْهَرِيّ علَى ما فَسَّرَهُ خَطَأٌ ، لأَنَّ تُعَظْعِظِي المَضْمُومُ التَّاءِ على ما ظَنَّه وفَسَّرَهُ خَبَرٌ يَلْزَمُه النُّون ، كما قالَ : أَنْتِ تَتَعَوَّجِينَ ، فجاءَ بالنُّونِ لَمّا كان خَبَراً ، وإِنَّمَا النُّونُ مَحْذُوفَةٌ مِنْ تَعَظْعَظ «المَفْتُوحَة التاءِ» لِأَنَّهُ أَمْرٌ ، ومَعْنَاهُ : كُفِّي وارْتَدِعِي عن وَعْظِكِ إِيّاي. انتَهَى.
وقالَ ابْنُ بَرّيّ : الَّذِي رَواهُ أَبُو عُبَيْدٍ هو الصَّحِيحُ ، لِأَنَّهُ قد رَوَى المَثَلَ : «تَعَظْعَظِي ثم عِظِي» ، وهذا يَدُلُّ على صِحَّةِ قَوْلِه.
قُلْتُ : ومِنْهُم مَنْ جَعَلَ تَعَظْعَظِي بِمَعْنَى اتَّعِظِي أَنْتِ ، أَي فهو أَمْرٌ من الوَعْظِ ، وهذا القَوْلُ شَاذٌّ ، لِأَنَّ العَرَبَ إِنَّمَا تَفْعَلُ هذا في المُضَاعَفِ فتُبْدِلُ مِنْ أَحَدِ الحَرْفَيْنِ كَرَاهِيَةً لِاجْتِمَاعِهما ، فَيَقُولُونَ : تَحَلْحَل وأَصله تَحَلَّل ، ولَوْ كانَ «تَعَظْعَظى» مِنَ الوَعْظِ لَقِيلَ مِنْه : تَوَعَّظِي ، فتَأَمَّلْ.
وأَعَظَّهُ الله تَعالَى : جَعَلَهُ ذَا عِظَاظٍ.
* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه :
العَظْعَاظُ ، بالفَتْحِ : مَصْدَرُ عَظْعَظَ السَّهْمُ ، عن كُرَاع ، وهي نادِرَةٌ.
والعَظْعَظَةُ : النُّكُوصُ عن الصَّيْدِ.
وما يُعَظْعِظُه شَيْءٌ ، أَي ما يَسْتَفِزُّه ولا يُزِيلُهُ.
وأَعَظَّ الرَّجُلُ ، إِذا اغْتابَ غَيْبَةً قَبِيحَةً.
[عكظ] : عَكَظَهُ يَعْكِظُه عَكْظاً : حَبَسَه. وعَكَظَ الشَّيْءَ يَعْكِظُه : عَرَكَهُ ، وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ : قَهَرَهُ بِحُجَّتِهِ ، وَرَدَّ عَلَيْهِ فَخْرَه ، قالَ : وبه سُمِّيَ عُكَاظٌ كغُرَابٍ : سُوقٌ بصَحْراءَ.
وقالَ الأَصْمَعِيُّ : عُكَاظٌ : نَخْلٌ في وَادٍ بَيْنَهُ وبَيْنَ الطَّائِفِ لَيْلَةٌ. وبَيْنَهُ وبَيْنَ مَكَّةَ ثَلاثُ لَيَالٍ ، وبِهِ كانْتَ تُقَامُ سُوقُ العَرَبِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيّ : قِيلَ : عُكَاظٌ : مَاءٌ بَيْن نَخْلَةَ والطّائِفِ إِلى بَلَدٍ يُقَالُ له : العِتْقُ (١) ، كانَتْ مَؤسِماً مِنْ مَوَاسِمِ الجاهِلِيَّةِ ، تَقُومُ هِلالَ ذِي القَعْدَةِ ، وتَسْتَمِرُّ عِشْرِينَ يَوْماً (٢) قالَ ابنُ دُرَيْدٍ : وكانَتْ تَجْتَمِعُ فِيها قَبَائِلُ العَرَبِ ، فيَتَعَاكَظُونَ ، أَي يَتَفَاخَرُونَ ويَتَنَاشَدُونَ ما أَحْدَثُوا من الشِّعْرِ ثُم يَتَفَرَّقُونَ. زادَ الزَّمَخْشَرِيّ : كانَتْ فِيها وَقَائِعُ وحُرُوبٌ.
وفي الصّحاح : فيُقِيمُونَ شَهْراً يَتَبَايَعُونَ ويَتَفَاخَرُونَ ، ويَتَنَاشَدُونَ شِعْراً ، فلَمَّا جاءَ الإِسْلامُ هَدَمَ ذلِكَ. قَالَ اللِّحْيَانيّ : أَهْلُ الحِجَازِ يُجْرُونَهَا ، وتَمِيم لا يُجْرُونَها ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لأَبِي ذُؤَيْبٍ :
إِذا بُنِيَ القِبَابُ على عُكَاظٍ |
|
وقَامَ البَيْعُ واجْتَمَعَ الأُلُوفُ |
أَرادَ : بِعُكَاظ.
وقال أُميَّة بنُ خَلَف الخُزاعِي يَهْجُو حَسَّان بنَ ثَابِت رَضِي الله عنه :
أَلا مَنْ مُبْلِغ حَسّان عَنّي |
|
مُغَلْغَلَةً تَدِبّ إِلى عُكَاظِ |
في أَبيات تَقَدَّم ذِكْرُها في «شوظ» فأَجَابَهُ حَسّان رَضِيَ الله عَنْه :
أَتانِي عَنْ أُمَيَّةَ زُورُ قَوْلٍ |
|
وما هُوَ المَغِيبِ (٣) بِذِي حِفاظِ |
سَأَنْشُر إِنْ بَقِيتُ لكُمْ كَلاماً |
|
يُنَشَّرُ في المَجَنَّةِ مَعْ عُكَاظِ (٤) |
قَوَافِيَ كالسِّلامِ (٥) إِذا اسْتَمَرَّتْ |
|
مِنَ الصُّمِّ المُعَجْرَفَةِ الغِلاظِ |
تَزوُرُكَ إِنْ شَتَوْتَ بكُلِّ أَرْضٍ |
|
وتَرْضَخُ فِي مَحَلّكَ بالمَقَاظِ |
بَنَيْتُ عَلَيْكَ أَبْيَاتاً صِلاباً |
|
كأَمرِ الوَسْقِ قُعِّضَ بالشِّظاظِ (٦) |
مجَلِّلةً تُعَمِّمُه شَناراً |
|
مُضَرَّمَةً تَأَجَّجُ كالشّواظِ |
كهَمْزَةِ ضَيْغَمٍ يَحْمِي عَرِيناً |
|
شَدِيدِ مَغارِزِ الأَضْلاعِ خاظِي |
__________________
(١) عن المطبوعة الكويتية وبالأصل «الفنق».
(٢) في معجم البلدان «عكاظ» : قالوا : كانت العرب تقيم بسوق عكاظ شهر شوال ثم تنتقل إلى سوق مجنة فتقيم فيه عشرين يوماً من ذي القعدة ثم تنتقل إلى سوق ذي المجاز فتقيم فيه إلى أيام الحج.
(٣) ديوانه ص ١٤١ وفيه :
وما هو بالمغيب ...
(٤) في الديوان :
ينشر في المجامع من عكاظ
(٥) عن الديوان وبالأصل «كالسلاح».
(٦) في الديوان ١٤٢. كأسر الوسق قُفّص بالشظاظ