في الصّحاحِ ، وقِيلَ : بكَثْرَةٍ ، أَوْ رَجَعُوا وتَفَرَّقُوا ، أَو أَسْرَعُوا مِنهَا إِلى مَكَانٍ آخَرَ. الأَخِيرُ مَأْخُوذٌ من قَولِ ابنِ عَرَفَةَ. وبكُلِّ ذلِكَ فُسِّر قَولُه تَعَالَى : (فَإِذا) أَفَضْتُمْ (مِنْ عَرَفاتٍ) (١) قال أَبُو إِسْحَاقَ : دَلَّ بهذَا اللَّفْظِ أَن الوُقُوفَ بِهَا وَاجِبٌ ، لأَنَّ الْإِفَاضَةَ لا تَكُونُ إِلا بَعْدَ وُقُوفٍ. وَمَعْنَى أَفَضْتُمْ : دَفَعْتُمْ بكَثْرَةٍ. وقال خالِدُ بنُ جَنْبَةَ : «الإِفَاضَةُ : سُرْعَةُ الرَّكْضِ. وأَفَاضَ الرَّاكِبُ إِذا دَفَعَ بَعِيرَهُ سَيْراً بَيْنَ الجَهْدِ ودُونَ ذلِكَ ، قال : وذلِكَ نِصْفُ عَدْوِ الإِبِلِ عَلَيْهَا الرُّكْبَانُ ، ولا تَكُونُ الْإِفَاضَةُ إِلاَّ وعَلَيْهَا الرُّكْبَانُ. وقال غَيْرُهُ : الْإِفَاضَةُ : الزَّحْفُ والدَّفْعُ في السَّير بكثرةٍ ، ولا يكُونُ إِلاَّ عن تَفرُّقٍ وجَمْعٍ. وأَصْلُ الإِفَاضَةِ : الصَّبُّ ، فاسْتُعِيرَتْ للدَّفْعِ في السَّيرِ ، وأَصْلُهُ أَفَاضَ نَفْسَهُ أَو رَاحِلتَهُ ، ولذلِكَ فَسَّرُوا أَفَاضَ بدَفَعَ ، إِلاَّ أَنَّهُمْ رَفَضُوا ذِكْر المَفْعُولِ ، ولرَفْضِهِمْ إِيّاه أَشْبَهَ غَيْرَ المُتَعَدِّي ، ومنه طَوَافُ الإِفَاضَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ، يُفِيضُ مِنْ مِنًى إِلى مَكَّةَ فيَطُوفُ ثُمَّ يَرْجِعُ.
قال الجَوْهَرِي : وكُلُّ دَفْعَةٍ إِفَاضَةٌ.
وأَفَاضُوا في الحَديثِ : انْتَشَرُوا. وقال اللِّحْيَانِيّ : هُوَ إِذا انْدَفَعُوا فيهِ وخاضَوا ، وأَكْثَرُوا. وفي التَّنْزِيلِ العَزِيزِ : (إِذْ) تُفِيضُونَ (فِيهِ) (٢) أَي تَنْدَفِعُونَ فِيهِ وتَنْبَسِطُونَ في ذِكْره.
وحَدِيثٌ مُفَاضُ فِيهِ ، ومنه قوْلُهُ تَعَالَى أَيْضاً : (لَمَسَّكُمْ فِيما) أَفَضْتُمْ (٣).
وأَفَاضَ الْإِنَاءَ : أَتْأَقَهُ. عن اللِّحْيَانيّ. قال ابنُ سِيدَه : وعِنْدِي أَنَّهُ إِذا مَلَأَهُ حَتّى فَاضَ ، وكَذلِك في الصّحاح والعُبَاب.
ومن المَجَازِ : أَفاضَ القِدَاحَ ، وأَفاضَ بِهَا ، وعلَيْهَا : ضَرَبَ بِهَا. نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ ، وأَنْشَدَ قَوْلَ أَبِي ذُؤَيْبٍ يَصِفُ حِمَاراً وأُتُنَهُ :
فكَأَنَّهُنَّ رِبَابَةٌ وكَأَنَّهُ |
|
يَسَرٌ يُفِيضُ على القِدَاحِ ويَصْدَعُ |
قال : يَعْنِي : بالقِدَاحِ. وحُرُوفُ الجَرِّ يَنُوبُ بَعْضُها مَنَابَ بَعْضٍ. كَذَا في الصّحاح والعُبابِ. والَّذِي قَرَأْتُهُ في شَرْحِ الدِّيوَانِ : وكَأَنَّهُ يَسَرٌ : الَّذي يَضْرِبُ بالقِدَاحِ ، وإِفَاضته أَن يُرْسِلَهَا ويَدْفَعَها. ويَصْدَعُ : يُفَرِّقُ بالحُكْمِ ، أَيْ يُخْبِرُ بما يَجِيءُ به. ويُرْوَى : يَخُوضُ على القِدَاحِ. أَرادَ يَخُوضُ بالقِدَاحِ فلَمْ يَسْتَقِمْ ، فأَدْخَلَ «عَلَى» مَكَانَ البَاءِ. فتَأَمَّلُ.
وقال الأَزْهَرِيُّ : كُلُّ ما كانَ في اللُّغَةِ من بابِ الإِفَاضَةِ فَلَيْس يَكُونُ إِلاَّ عن تَفَرُّقٍ (٤) وكَثْرَةٍ.
وفي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ : «أَخْرَجَ الله ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ ظَهْرِهِ ، فأَفَاضَهُمْ إِفَاضَةَ القِدْحِ» هي الضَّرْبُ بِهِ وإِجالَتُه عِنْدَ القِمَارِ. والقِدْحُ : السَّهْمُ ، وَاحِدُ القِدَاحِ الَّتي كَانُوا يُقَامِرُون بِهَا. ومنه حَدِيثُ اللُّقَطَةِ : «ثُمَّ أَفِضْهَا في مَالِكَ ، أَيْ أَلْقِهَا فيه واخْلِطْهَا بِهِ.
وأَفَاضَ البَعِيرُ : دَفَعَ جِرَّتَهُ مِنْ كِرْشِهِ فأَخْرَجَهَا. نَقَلَه الجوْهَرِيُّ. قال : ومنه قَوْلُ الشَّاعِرِ ، قُلْتُ : وهو قَولُ الرَّاعِي :
وأَفَضْنَ بَعْدَ كُظُومِهِنَّ بجِرَّةٍ |
|
مِنْ ذِي الأَبارِقِ إِذْ رَعَيْن حَقِيلاً (٥) |
وقِيلَ : أَفَاضَ البَعِيرُ بجِرَّتِهِ : رَمَاهَا مُتَفَرِّقَةً كَثِيرَةً. وقِيلَ : هو صَوْتُ جِرَّتِه ومَضْغِه. وقال اللِّحْيَانيّ : هو إِذَا دَفَعَها من جَوْفِهِ وأَنْشَدَ قَولَ الرَّاعِي. ويُرْوَى : مِنْ ذِي الأَباطِحِ (٦).
ويُقَالُ : كَظَمَ البَعِيرُ إِذا أَمْسَكَ عَنِ الجِرَّةِ.
والمُفَاضَةُ مِنَ الدُّرُوعِ : الوَاسِعَةُ. نَقَلَه الجَوْهَرِيّ. وقد أُفِيضَتْ ، وأَفَاضَهَا عَلَيْه ، كما يُقال صَبَّهَا عَلَيْه. وهو مَجاز.
والمُفَاضَةُ مِنَ النِّسَاءِ : الضَّخْمَةُ البَطْنِ. كما في الصّحاح ، وزَادَ في اللِّسان : المُسْتَرْخِيَةُ اللَّحْمِ ، وقد أُفِيضَت ، وزَاد غَيرُهُ : البَعِيدةُ الطُّولِ عن الاعْتِدَال. وفي الأَساسِ : هي خِلافُ المَجْدُولَةِ. وأَنْشَدَ الصّاغَانِيُّ لِامْرِئ القَيْسِ :
مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاءُ غَيْرُ مُفَاضَةٍ |
|
تَرَائِبُهَا مَصْقُولَةٌ كالسَّجَنْجَلِ |
وهو مَجَاز :
ورجُلٌ مُفَاضٌ : وَاسِعُ البَطْنِ ، والأُنْثَى مُفَاضَةٌ.
وفي صِفَةِ النَّبِيّ صَلى الله عليه وآله وسلّم : كان النبيَّ صَلى الله عليه وآله وسلّم مُفَاضَ البَطْنِ» أَي مُسْتوِيَ البَطْنِ مَعَ الصَّدْرِ. وقيل : المُفَاضُ : أَنْ يَكُونَ فيه امْتِلاءٌ ، مِنْ فَيْضِ الإِناءِ ، ويُرِيدُ أَسْفَلَ بَطْنِهِ.
واسْتَفَاضَ : سَأَلَ إِفَاضَةَ الماءِ وغَيْرِه ، كما في الصّحاح.
__________________
(١) سورة البقرة الآية ١٩٨.
(٢) سورة يونس الآية ٦١.
(٣) سورة النور الآية ١٤.
(٤) في التهذيب : تفرق أو كثرة.
(٥) ديوانه ص ٢٢٤ انظر تخريجه فيه. وحقيل بالقاف وادٍ في ديار بني عكل. وفي مطبوعة الصحاح الأولى حفيل بالفاء.
(٦) وهي رواية التهذيب.