القُتَيْبِيُّ : ورواه بضمٍّ فسُكُون ، سُمُّوا بذلك لتحَبُّسِهِمْ عنِ الرُّكْبانِ وتَأَخُّرِهِمْ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ : لحَبْسِهِم الخَيّالَةَ ببُطْءِ مَشْيِهِم ، كأَنّه جمعُ حَبُوس ، أَو لأَنَّهم يَتَخَلَّفُونَ عنهُم ، ويحْتَبسُون عن بُلُوغِهِم ، كأَنّه جَمْعُ حَبِيسٍ ، وقال القُتيْبِيُّ : وأَحْسبُ الوَاحِدَ حَبِيساً ، فَعِيلٌ بمعنَى مفْعُول ، ويجوز أَنْ يَكُون حابِساً ، كأَنَّهُ يَحْبِسُ مَن يَسِيرُ من الرُّكْبانِ بمَسِيرِه ، كالحُبَّسِ ، كرُكَّع. قال ابنُ الأَثِيرِ : وأَكْثرُ مَا يُرْوى هكذا ، فإِن صَحَّتِ الرِّوَايَةُ فلا يَكُونُ واحِدُهَا إِلاّ حَابِساً ، كشاهِدٍ وشُهَّدٍ ، قال : وأَمّا حَبِيسٌ فلا يُعْرَفُ في جَمْعِ فَعِيل فُعَّلٌ ، وإِنّمَا يُعْرَفُ فيه فُعُلٌ كنَذِيرٍ ونُذُرٍ.
ومن المَجَازِ : الحُبُسُ (١) : كُلُّ شَيْءٍ وَقَفَه صاحبُه وَقْفاً مُحَرَّماً لا يُبَاع ولا يُورَثُ من نَخْلٍ أَو كَرْمٍ أَو غَيْرها ، كأَرْضٍ أَو مُسْتَغَلٍّ يُحَبَّسُ (٢) أَصلُه وتُسَبَّلُ غَلَّتُه هكذا في سائر الأُصول ، وفي بعض الأُمَّهاتِ : ثَمَرَتُه ، أَي تَقَرُّباً إِلى الله تعالَى ، كما قالَ النَّبِيُّ صلىاللهعليهوسلم لعُمَرَ في نَخْلٍ له أَرادَ أَن يَتَقَرَّبَ بصَدَقَته إِلى الله عَزَّ وجَلَّ ، فقالَ لَهُ : «حَبِّس الأَصْلَ وسَبِّل الثَّمَرَةَ.
أَي اجْعَلْهُ وَقْفاً حُبُساً.
وما رُوِيَ عن شُرَيْحٍ أَنّه قالَ : «جَاءَ مُحَمّدٌ صلىاللهعليهوسلم بإِطْلاق الحُبُس» إِنّمَا أَرادَ بهَا ما كانَ من أَهْل الجَاهليَّة يَحْبِسُونَه (٣) من السَّوَائب ، والبَحَائِر ، والحَوَامِي (٤) ، وغيرهَا ، والمَعنَى : أَنَّ الشَّريعَةَ أَطْلَقَتْ ما حَبَسُوا وحَلَّلَتْ ما حَرَّمُوا ، وهو جَمْعُ حَبِيسٍ ، وقد رَواهُ الهَرَويُّ في الغَريبَيْن بإِسْكَان الباءِ ، قال ابنُ الأَثير : فإِنْ صَحَّ فيكونُ قد خَفَّفَ الضَّمَّةَ ، كما قَالُوا ، في جَمْعَ رَغيفٍ : رُغْفٌ ، بالسُكُون ، والأَصْلُ الضّمُ.
والحُبْسَةُ ، بالضّمِّ : الاسْمُ من الاحْتبَاس ، يقال : الصَّمْتُ حُبْسَةٌ ، وهو تَعَذُّرُ الكَلَامِ وتَوَقُّفُه عند إِرادَتهِ ، قالَهُ المُبَرِّدُ في «بابِ عِلَلِ اللِّسَانِ» قال : والعُقْلَةُ : الْتِوَاءُ اللِّسَانِ عندَ إِرادَةِ الكَلَامِ ، قال الزَّمَخْشَرِيُّ : الحُبْسَةُ : ثِقْلٌ يَمْنَعُ من البَيَانِ ، فإِن كانَ الثِّقَلُ من العُجْمَةِ فهي حُكْلَةٌ.
ومن المَجَازِ : الحَبِيسُ من الخَيْلِ ، كأَمِيرٍ : الموْقُوفُ في سَبِيل الله على الغُزاةِ يَرْكَبُونَه في الجِهَادِ ، كالمَحْبُوسِ والمُحْبَسِ كمُكْرَمٍ ، قالَهُ اللّيْثُ ، وكلُّ ما حُبِسَ بوَجْهٍ من الوُجُوهِ ، حَبِيسٌ ، وقَدْ حَبَسَه حَبْساً وأَحْبَسَه إِحْباساً ، وحَبَّسَه تَحْبيساً ، قالَ ابنُ دُرَيْدٍ : وهذا أَحَدُ ما جَاءَ عَلَى فَعِيلٍ من أَفْعَلَ ، قال شيخُنَا : وقال قَومٌ : الفَصِيحُ : أَحْبَسَه وحَبَّسَه تَحْبِيساً. وحَبَسَه ، مُخَفَّفاً ، لُغَةٌ رَدِيئَةٌ ، وبالعَكْسِ وَقَفَه وأَوْقَفَه ؛ فإِنَّ الأَفْصَحَ وَقَفَه مُخَفّفاً ، ووَقَّفَ مُشَدّداً مُنْكَرَةٌ قَلِيلَةٌ. قلتُ : وفي شَرْح الفَصِيح لابْنِ دَرَسْتَوَيْهِ : أَمّا قَوْلُه : أَحْبَسْتُ فَرساً في سَبِيلِ الله ، بمعْنَى جَعَلْتُه مَحْبُوساً ، فدَخَلَتِ الأَلِفُ لِهذَا المَعْنَى ؛ لأَنَّه من مَوَاضِعِها ، ولا يَمْتَنِعُ أَن يُقَالَ : حَبَسْتُ فَرَسِي في سَبِيلِ الله ، كما تَقُولُه العَامَّةُ ؛ لأَنّه إِذا أُحْبِسَ فقد حُبِسَ ، ولكن قد اسْتُعْمِلَ هذا في الوَقْفِ من الخَيْلِ وسائِرِ الأَمْوَالِ التي مُنِعَتْ من البَيْعِ والْهِبَةِ ، للفَرْقِ بينَ المَوْقُوفِ المَمْنُوعِ ، وبَيْنَ المُطْلَقِ غير الممنوع.
والحَبِيس : قَد يَكُونُ فَعِيلاً في مَوْضِعِ مَفْعُولٍ ، مثْل قتِيلٍ وجَرِيحٍ ، وقد يَقَعُ في مَوْضِع المُفْعَل ؛ لأَنَّهُمَا جَمِيعاً في المَعْنَى مَفْعُولان ، وإِنْ كانَ لفْظُ أَحَدِهِمَا مُفْعَلا ، فلذلك قِيلِ : حَبَسْتُ فَرَسي فهو حَبِيسٌ.
والحَبِيسُ ؛ ع ، بالرَّقَّةِ فيه قُبُورُ جماعَةٍ شَهِدُوا صِفِّينَ مع عليٍّ رَضِيَ الله عَنْه.
وذَاتُ حَبِيسٍ : ع ، بمَكَّةَ شَرَّفها الله تَعَالَى ، جاءَ ذِكْرُه في الحَدِيثِ وهُنَاكَ الجَبَلُ الأَسْوَدُ المُلَقَّبُ بالظُّلَمِ كصُرَدٍ (٥).
وحَبَسْتُ الفِرَاشَ بالمِحْبَسِ ، بالكسرِ : اسمٌ للمِقْرَمَةِ وهي ، السِّتْرُ ، أَي سَتَرْته ، كحَبَّسْتُه تَحْبِيساً.
والحابِسَةُ ، والحَابِسُ : الإِبِلُ كانَتْ تُحْبَسُ عندَ البُيُوتِ لكَرَمِهَا ، وهي الحَبَائِسُ أَيْضاً ، وفي حَدِيث الحَجّاجِ : «أَنَّ الإِبِلَ ضُمُرٌ حُبُسٌ ما جُشِّمَتْ جَشِمَتْ» قال ابنُ الأَثِيرِ : هكَذا رَواهُ الزمَخشَرِيُّ (٦) ، وقال : الحُبُسُ : جمْع حابِسٍ ، من حَبَسَه ، إِذا أَخَّرَه ، أَي أَنَّهَا صَوَابِرُ على العَطَشِ تُؤَخِّرُ الشرْبَ ، والرِّوَايَةُ بالخَاءِ والنُّونِ.
__________________
(١) التهذيب واللسان : والحُبُس جمع حبيس يقع على كل شيءٍ.
(٢) في التهذيب : يُحبَّس أصله وقفاً مؤيداً وتسبَّل ..
(٣) في التهذيب : يحبسونها.
(٤) الأصل واللسان وفي التهذيب : «والحامِ» وفي النهاية : «الحامي».
(٥) في معجم البلدان : يقال له أظلم.
(٦) الذي في الفائق ١ / ٦٣٩ بالخاء والنون المشددة.