الأَمَاسِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الحَنَفِيُّ ، سَمعَ في الحِجَاز على أَبيه ، وتُوفِّيَ سنةَ ٧٩٨ ، ووَلَدُه محمَّدٌ ممَّنْ سَمعَ.
[أنس] : الإِنْسُ ، بالكَسْر : البَشَرُ ، كالإِنْسَان ، بالكَسْر أَيضاً ، وإِنّما لم يَضْبطْهُمَا لشُهْرَتهما ، الوَاحدُ إِنْسِيٌّ ، بالكَسْر ، وأَنَسيٌّ ، بالتَّحْريك.
قال مُحَمَّدُ بنُ عَرَفَةَ الوَاسطيُّ : سُمِّيَ الإِنْسيُّونَ لأَنَّهُم يُؤْنَسُونَ ، أَي يُرَوْنَ ، وسُمِّيَ الجنُّ جِنًّا لأَنَّهُمْ مَجْنُونُونَ (١) عن رُؤْيَة النّاس ، أَي مُتَوارُونَ.
ج أَنَاسِيُّ ، ككُرْسيٍّ وكَرَاسِيَّ ، وقيل : هو جمْعُ إِنْسَانٍ ، كسِرْحانٍ وسَرَاحينَ ، ولكنَّهُم أَبْدَلُوا الياءَ من النُّون ، كما قَالُوا للأَرَانب : أَرَانِيّ ، قالَهُ الفَرّاءُ ، وقَرَأَ الكسَائيُّ ويَحْيَى ابنُ الحَارث قولَه تَعَالَى : وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٢) بالتَّخْفِيف أَسقَطَ الياءَ التي تكونُ فيما بينَ عَيْن الفِعْل ولامه ، مثل : قَرَاقِيرَ وقَرَاقِرَ ، ويُبَيِّنُ جَوازَ أَنَاسِيَ بالتَّخْفيف قولُهُم : أَنَاسِيَةٌ كثيرةٌ ، جعلوا الهاءَ عِوَضاً من إِحْدَى ياءَيْ أَناسِيّ جمع إِنسان ، وقال المُبَرِّدُ : أَناسِيَةٌ جمْع إِنْسيَّةٍ ، والهاءُ عِوَضٌ من اليَاءِ المَحْذُوفة ؛ لأَنَّه كانَ يجب أَناسيّ بوزْن زَنَاديقَ وفَرازينَ ، وأَنّ الهاءَ في زَنادِقَةٍ وفَرَازنَة إِنّمَا هي بدلٌ من الياءِ ، وأَنَّهَا لما حُذِفَتْ للتخفيف عُوّضَتْ منها الهاءُ ، فالياءُ الأُولَى من أَناسيَّ بمنزلة الياءِ من فَرَازينَ وزَنَاديقَ ، والياءُ الأَخيرةُ منه بمنزلة القافِ والنُّونِ منهما ، ومثلُ ذلك جَحْجاحٌ وجَحَاجِحَةٌ ، إِنما أَصلُه جَحَاجِيحُ.
وقد يُجْمَعُ الإِنْسُ على آنَاس مثل : إِجْلٍ وآجَالٍ ، هكذا ضَبَطَه الصّاغَانيّ ، وسيأْتي في «نوس» أَنَّهُ أُنَاسٌ ، بالضَّمِّ ، فتأْمّل.
والمَرْأَةُ أَيضاً إِنْسَانٌ ، وقولُهُم : إِنْسَانَةٌ ، بالهَاءِ ، لغة عَامِّيّةٌ ، كذا قاله ابنُ سيدَه ، وقالَ شيخُنَا : بل هي صحيحَةٌ وإِن كانَت قليلَةً ، ونقَلَه صاحبُ هَمْع الهَوَامع والرَّضِيُّ في شَرْح الحَاجبيّة ، ونَقَلَه الشَّيْخُ يس في حواشيه على الأَلْفيَّة عن الشيخ ابن هشَام ، فلا يُقَال إِنّهَا عامِّيَّةٌ بعدَ تصريح هؤُلاءِ الأَئمَّةِ بوُرُودهَا ، وإِن قَالَ بعضُهُم : إِنَّهَا قليلَةٌ ، فالقِلَّةُ عندَ بعض لا تَقْتَضِي إِنْكَارَهَا وأَنَّهَا عامِّيّةٌ. انتهى ، فانظُرْ هذه مع قَوْل ابن سيدَه : ولا يُقَالُ إِنْسَانَةٌ ، والعَامَّةُ تَقُولُه.
وسُمِعَ في شِعْر بعضِ المُوَلَّدين ، قيلَ : هو أَبو مَنْصُور الثّعَالبيُّ صاحبُ اليَتيمَة ، والمُضَاف والمَنْسُوب ، وغيرهمَا ، كما صَرَّحَ به في كُتُبه مُدَّعياً أَنّه لم يُسْبَقْ لمعناهُ كما قالَهُ شيخُنَا ، وكَأَنّه مُوَلَّدٌ لا يُسْتَدَلُّ به :
لَقَدْ كَسَتْني في الهَوَى |
|
مَلَابِسَ الصَّبِّ الغَزِلْ |
إِنْسَانَةٌ فَتَّانَةٌ |
|
بَدْرُ الدُّجَى منْهَا خَجِلْ |
إِذَا زَنَتْ عَيْنِي بهَا |
|
فبالدُّمُوع تَغْتَسِلْ |
قلتُ : وهذا البيتُ الأَخيرُ الذي ادَّعَى فيه أَنّه لم يُسْبَقْ لمَعْناهُ. ولَمّا رَأَى بعضُ المُحَشِّينَ إِيرَادَ هذه الأَبياتَ ظَنَّ أَنَّهَا من باب الاسْتدْلال ، فاعْتَرَضَ عليه بقوله : لا وَجْهَ لإِيراده وتَشَكُّكِه فيه ، وأُجِيبَ عنه بأَنَّه قد يُقَالُ : إِنَّ الثَّعَالبيَّ من أَئمّة اللُّغَة الثّقَات ، وهذا غَلَطٌ ظاهرٌ ، وتَوَهُّمٌ باطِلٌ ، إِذ المُصَنِّفُ لم يَأْتِ به دَليلاً ، ولا أَنْشَدَه عَلَى أَنَّه شَاهدٌ ، بل ذَكَرَه على أَنَّهُ مُوَلَّدٌ ليسَ للعَامَّة أَن يَسْتَدلُّوا به ، فتأَمَّلْ.
حَقَّقَه شيخُنَا ، قال : وقد وَرَدَ في أَشْعَار العَرَب قَليلاً ، قال كامل (٣) الثَّقَفيُّ :
إِنْسَانَةُ الحَيِّ أَمْ أَدْمانَةُ السَّمُرِ |
|
بالنَّهْيِ رَقَّصَها لَحْنٌ من الوَتَرِ |
قال : وحَكَى الصَّفَديُّ ـ في شَرح لاميَّة العَجَم ـ أَنَّ ابنَ المُسْتَكْفِي اجْتَمَعَ بالمُتَنَبِّي بمصر ، ورَوَى عنه قولَه :
لاعَبْتُ بالخَاتَمِ إِنْسانَةً |
|
كمِثْل بَدْرٍ في الدُّجَى النّاجِمِ |
وكُلَّمَا حَاوَلْتُ أَخْذِي لَهُ |
|
من البَنَانِ المُتْرَف النَّاعِمِ |
أَلْقَتْهُ في فِيها فقُلْتُ انْظُرُوا |
|
قد أَخْفَت الخاتَمَ في الخَاتَمِ |
والأُنَاسُ بالضّمِّ : لُغَةٌ في النّاس قال سيبَوَيْه : والأَصْلُ في النّاس الأُنَاسُ مُخَفَّف ، فجَعَلُوا الأَلفَ والّلامَ عِوَضاً عن الهَمْزَة ، وقد قالُوا : الأُنَاس ، قال الشّاعرُ :
__________________
(١) في التهذيب : مجتنُّون.
(٢) سورة الفرقان الآية ٤٩.
(٣) عن المطبوعة الكويتية وبالأصل «كاهن».