فلما سَمِعُوا ذلِك عَظُم عليهم واشتَدّ غَضَبُهم ، ومَضَى بعضُهم إِلى بَعْض ، ثمّ إِن أَخَا عُفَيْرَة وهو الأَسودُ بنُ عَفَارِ صنعَ طَعاماً لعُرْسِ أُختِه عُفَيْرةَ ، وَمضَى إِلى عِمْلِيق يسأَله أَن يَحْضُر طَعَامَه ، فأَجَابَه وحَضَر هو وأَقارِبُه وأَعْيَانُ قَوْمِه ، فلمّا مَدُّوا أَيدِيَهُم إِلى الطَّعام غَدَرَت بهِم جَدِيسُ فقُتِل كُلّ مَنْ حَضرَ الطعامَ ، ولم يُفْلِتْ مِنْهُم أَحدٌ إِلاّ رَجلٌ يقال له رِيَاحُ بنُ مَرَّةَ ،. تَوجّه حتى أَتى حَسَّانَ بن تُبَّع ، فاستَجاشَه عليهم ، ورَغَّبَه فيما عِنْدَهم من النَّعم ، وذكرَ أَنَّ عِندَهم امرأَةً يقال لها عَنْزُ ، ما رَأَى الناظِرُون لها شَبَهاً ، وكانت طَسْم وجَدِيسُ بِجَوِّ (١) اليَمَامةِ ، فأَطاعه حَسَّان ، فخَرَجَ هو ومَنْ عِنْدَه حتى أَتوْا جَوًّا ، وكان بها زَرْقَاءُ اليمامةِ ، وكانت أَعلَمَتْهُم بجَيْشِ حَسّان من قَبل أَن يَأْتِيَ بثَلاثةِ أَيّامٍ ، فأَوْقَعَ بجَدِيسَ وقَتَلَهُم وسَبَى أَولادَهَم ونِسَاءَهم ، وقَلَع عَيْنَيْ زَرْقَاءَ وقَتَلَهَا ، وأُتِيَ إِليه بعَنْز راكِبَةً جَمَلاً ، فلمّا رأَى ذلِك بَعْضُ شُعَرَاءِ جَدِيسَ قال :
أَخلَقَ الدَّهْرُ بِجَوٍّ طَلَلَا |
|
مِثلَ ما أَخْلَقَ سَيْفٌ خِلَلَا |
وتَداعَتْ أَربَعٌ دَفَّافَةٌ |
|
تَرَكَتْه هَامِداً مُنْتَخِلَا |
مِن جَنُوبٍ وَدَبُورٍ حِقْبَةً |
|
وصَباً تُعقِبُ رِيحاً شَمْأَلَا |
وَيْلَ عَنْزٍ واسْتَوَتْ رَاكِبَةً |
|
فوْقَ صَعْبٍ لم يُقَتَّلْ ذُلُلَا |
شَرَّ يومَيْهَا وأَغوَاهُ لَهَا |
|
رَكِبَت عَنْزٌ بحِدْجٍ جَمَلَا |
لا تُرَى من بَيْتِهَا خارِجَةً |
|
وتَرَاهُنّ إِليها رَسَلَا |
مَنَعَت جَوًّا ورامَتْ سَفَراً |
|
تَرَكَ الخَدَّيْن منها سَبَلَا |
يَعلَمُ الحَازِمُ ذُو اللُّبِّ بذَا |
|
أَنّمَا يُضْرَب هذا مَثَلَا |
ونَصبُ شَرّ يَومَيها على الظَّرفِيّة برَكِبَت ، مَعْنَى ذلِك رَكِبَتْ بحِدْجٍ جَمَلا في شَرِّ يَومَيها. وعَنَزَ عنه عُنُوزاً : عَدَلَ ومالَ ، وقال ابنُ القَطَّاع : تَنَحَّى.
وعَنَز فُلَاناً عَنْزاً : طَعَنَه بالعَنَزةِ ، قاله ابنُ القَطّاع. وقال الزّمخْشَرِيّ : عَنَزُوه : طَعَنُوا فيه ، مثل تَرَكُوه (٢). وهي ، أَي العَنَزة محرّكةً : رُمَيْح بَيْن العَصَا والرُّمْح ، قالُوا : قَدْر نِصْفِ الرُّمح أَو أَكْثَر شَيْئاً ، فيه سِنانٌ مثلُ سِنَان الرُّمْح ، وقيل : في طَرَفه الأَسْفَلِ زُجٌّ كزُجِّ الرُّمْحِ يَتَوَكَّأُ عليها الشَّيخُ الكَبِيرُ ، وقيل : هي أَطْولُ من العَصَا وأَقصَرُ من الرُّمْح ، والعُكَّازَةُ قَرِيبَةٌ منها.
والعَنَزَة أَيضاً : دَابَّةٌ تكون بالبَادِيَة ، دَقِيقَةُ الخَطْمِ ، أَصغَرُه من الكَلْب ، وهي من السِّباعِ ، تأْخُذُ البَعِيرَ من قِبَل دُبُرِه ، وقَلَّما تُرَى ، وتَزْعُم العَرَبُ أَنَّهَا شَيْطَانٌ. أَو هي كابْنِ عِرْسٍ تَدْنُو من النّاقّة البَارِكَةِ ثمّ تَثِبُ فَتَدْخُل في حَيَائِهَا فتَنْدَسُّ ، ونَصّ الأَزهريّ : فتَنْدَمِص فِيهِ حتّى تَصلَ إِلى الرَّحِم : فتَجْتَذِبُها فَتَمُوتُ النَّاقَةُ مَكَانَها. قال الأَزْهَرِيّ : ورأَيتُ بالصَّمَّانِ ناقةً مُخِرَتْ من قِبَلِ ذَنَبِها لَيْلاً فأَصْبَحَتْ وهي مَمْخُورَة ، قد أَكَلَت العَنَزةُ من عَجُزِهَا طائِفَةً [والناقةُ حيّة] (٣) ، فَقَال رَاعِي الإِبِلِ وكان نُمَيْرِيّا فَصيحاً : طَرَقَتْهَا (٤) العَنَزَةُ فمَخَرتْهَا. والمَخْرُ : الشَّقُّ ، وقَلَّمَا تَظْهرَ لخُبْثِهَا.
والعَنَزَة من الفَأْسِ : حَدُّها.
وعَنَزَةُ بنُ أَسَدِ بن رَبِيعَةَ بن نِزَار بن معَدٍّ ، واسمُه عَمرو : بَطْن من أَسد وهو من اللهَازم. قال ابن الكلبيّ : وقد دَخَلُوا في عَبْدِ القَيْس ، أَو ابنُ عَمْرو ، هكذا في النُّسَخ بإِثْبَاتِ أَو ، والصّواب وابنُ عَمْرو ، بالوَاو ، وهو ابن عَوْف بن عَدِيّ بنِ عَمْرو بنِ مَازِن بن الأَزْد : أَبو حَيّ من الأَزْد. وفَاتَه عَنَزَةُ بنُ عَمْرو بنِ أَفْصَى بنِ حَارِثَةَ الخُزَاعِيّ ، ذَكَرَه الصَّاغَانِيّ ، وعُنَيْزَةُ ، مُصَغَّراً : هَضْبَةٌ سَوْدَاءُ بالشَّجِي (٥) ببَطْنِ فَلْجٍ (٦) بَيْن البَصْرَة وحِمَى ضَرِيّةَ. قال الصّاغَانِيُّ : وإِيّاهَا عَنى ابنُ حَبِيب حَيْث رَوَى بيتَ امرىءِ القَيْس :
__________________
(١) عن اللسان وبالأصل «بجوار».
(٢) في الأساس : نزكوه.
(٣) زيادة عن التهذيب.
(٤) في التهذيب : «طرقها فمخرها» وفي إحدى نسخة : طرقتها كالأصل.
وبحواشي التهذيب : «وكأن العنزة تقال للمذكر والمؤنث من هذا الحيوان ، فجاء الوجهان».
(٥) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : «بالشجى وهو مضبوط في التكملة بفتح الشين وكسر الجيم».
(٦) في التكملة «فُلَيج». قال نصر : فليج واد يصب في فلج بين البصرة وضرية.