وقد قِيلَ : إِنّ قَوْلَهم : أَفْقَرَك الصَّيْدُ فارْمِه ، أَيْ أَمْكَنَكَ من جانبِه (١) ، وقِيل : مَعْنَاه أَمْكَنَكَ من فَقَارِه ، وقيل : معناه قد قَرُب منك. وفي حَدِيث الوَلِيدِ بنِ يَزِيدَ بنِ عبدِ الملكِ : «أَفْقَرَ بعدَ مَسْلَمَةَ الصَّيْدُ لِمَنْ رَمَى» ، أَي أَمْكَنَ الصَّيْدُ من فَقَارِه لِرَامِيه ، أَرادَ أَنَّ عَمَّه مَسْلَمَةَ كان كَثِيرَ الغَزْو ، يَحْمِي بَيْضَةَ الإِسلامِ ، ويَتَوَلَّى سِدَادَ الثُّغورِ ، فلمّا ماتَ اخْتَلَّ ذلك ، وأَمْكَن الأَسْلامُ لِمَنْ يَتَعَرَّض إِليه.
وأَفْقَرَ بَعِيره : أَعارَك ظَهْرَه في سَفَرٍ للحَمْلِ والرُّكوبِ ثم تَرُدّه ، قاله ابنُ السِّكّيت. وذَكَر أَبو عُبَيْد وُجُوهَ العَوارِيّ ، وقال : أَمّا الإِفْقَارُ فأَنْ يُعطِيَ الرجلُ الرجلَ دابَّتَه فيَرْكَبَها ما أَحَبَّ في سَفَرٍ ثمّ يَرُدّها عَلَيْهِ. وأَنشد الزمخشريّ لِنَفْسه :
أَلَا أَفْقَرَ اللهُ عَبْداً أَبَتْ |
عَلَيْه الدَّناءَةُ أَنْ يُفْقِرَا |
|
ومَنْ لا يُعِيرُ قَرَا مَرْكَبٍ |
فَقُلْ كَيْفَ يَعْقِرُهُ للقِرَى |
والاسمُ الفُقْرَى ، كصُغَرَى (٢) ، قال الشاعِر :
لَه رَبَّةٌ قد أَحْرَمَتْ حِلَّ ظَهْرِهِ |
فما فِيه لِلفُقْرَى ولا الحَجِّ مَزْعَمُ |
أَي مَطْمَعٌ. وفي حَدِيث جابِر : «أَنَّه اشْتَرَى منه بَعِيراً وأَفْقَرَهُ ظَهْرَه إِلى المَدِينة».
وفي حَدِيث الزكاةِ : «ومِنْ حَقِّهَا إِفْقَارُ ظَهْرِها» مأْخوذٌ من رُكُوب فَقَارِ الظَّهْرِ ، وهو خَرَزَاتُه ، الواحِدةُ فَقَارَةٌ.
والمُفْقِرُ ، كمُحْسِن : الرَّجلُ القَويّ ، وكذلِك مُهْرٌ مُفْقِرٌ : قَوِيّ الظَّهْرِ ، والمُفْقِر أَيضاً : المُهْرُ الذي حانَ لَهُ أَنْ يُرْكَبَ فَقَارُه مثل أَرْكَبَ (٣).
وذُو الفَقَار ، بالفَتْح ، وبالكَسْرِ أَيضاً ، كما صرّح به في المَوَاهِبِ ، ولكنَّ الخَطّابِيَّ نَسَبَه للعامّة ، فَلِذا قيَّدَه المصنّف بالضَّبْط ، فليس قَوْلُه بالفتح مستدرَكاً كما تَوَهَّمه بعضٌ : سَيْفُ سُلَيْمَانَ بنِ داوُودَ ، عليهماالسلام ، أَهْدَتْه بِلْقِيسُ مع سِتّةِ أَسْياف ، ثمّ وَصَل إِلى العاصِ بن مُنَبِّه بنِ الحَجّاج بن عامِرِ بن حُذَيْفَةَ بنِ سَعْدِ بنِ سَهْم ، قُتِلَ يَوْمَ بَدْر مع أَبيه وعَمِّه نُبَيْهِ بن الحَجّاج كافراً ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بنُ أَبِي طالِبٍ رَضِي الله عنه وأَخَذَ سَيْفَه هذا ، فصارَ إِلى النَّبِيّ صلىاللهعليهوسلم ، شبَّهوا تِلْكَ الحُزوزَ بالفَقَارِ. وقال أَبو العَبّاس : سُمِّيَ لأَنّه كانت فيه حُفَرٌ صِغارٌ حِسانٌ ، ويُقَال لِلْحُفْرَة ، فُقْرَة ، وجَمْعُها فُقَرٌ.
ومن الغَرِيب ما قَرَأْتُ في كتاب الكاملِ لابْن عَديّ ، في ترجمة أَبي شَيْبَةَ قاضِي وَاسِطَ ، بسَنَدِه إِليْه عن الحَكَمِ عن مِقْسَم : أَنّ الحجّاج بنَ عِلاطٍ أَهْدَى لِرَسُول الله صلىاللهعليهوسلم سَيْفَهُ ذا الفَقَارِ ، ثم صارَ إِلى أَميرِ المؤمنين عَلِيّ بنِ أَبِي طالب ، رضياللهعنه وكَرّم وَجْهَه ، وفيه قيل : لا فَتَى إِلا عليّ ، [و] لا سَيْفَ إِلّا ذُو الفَقَارِ.
وذُو الفَقَارِ : لَقَبُ مَعْشَرِ بنِ عَمْرٍو الهَمْدَانِيِّ ، أَوْرَدَه الصاغَانيّ. قلتُ : ومن بَنِي الحُسَيْنِ بنِ عليٍّ أَبو الصَّمْصامِ ذُو الفَقَارِ بن مَعْبَدِ بن عليّ ، وحَفَيدُه أَشْرَفُ الدِّينِ ذُو الفَقَارِ ابنُ محمّدِ بنِ ذِي الفَقَارِ ، له ذِكرٌ في كتاب أَبي الفُتُوح الطاوُوسِيّ. قلتُ : جَدُّه هُوَ ذُو الفَقَارِ بنُ أَشْرَفَ العَلَوِيُّ المَرَنْدِيُّ الفَقِيه ، ووَلَدُه محمّد هذا مات سنة ٦٨٠ ، قاله الحافظ.
وسَيْفٌ مُفَقَّرٌ ، كمعَظَّمٍ : فيه حُزُوزٌ مُطْمَئِنَّة عن مَتْنِه ، وكُلُّ شيءٍ حُزَّ أَوْ أُثِّرَ فيه فَقَدْ فُقِّر.
ورَجُلٌ مُفَقَّرٌ : مُجْزِىءٌ (٤) لِكلّ ما أُمِرَ به ، نقله الصاغانيّ ، كأَنَّه لِقُوّةِ فَقَارِه.
والفُقْرَة ، بالضَّمّ : القُرْب ، يُقَال : هو مِنِّي فُقْرَةً ، أَي قَرِيبٌ. والفُقْرَةُ : الحُفْرَةُ في الأَرْضِ ، جَمْعُه فُقَرٌ.
والفُقْرَةُ : مَدْخَلُ الرَّأْسِ من القَمِيص.
والفِقْرَةُ ، بالكَسْرِ : العَلَمُ ، من جَبَلٍ أَو هَدَفٍ أَو نَحْوه ، كالحَفِيرَة ونَحْوِهَا. قال اللَّيْث : يقولون في النِّضَال : أُرَامِيكَ مِنْ أَدْنَى فِقْرَةٍ ، ومن أَبْعَدِ فِقْرَة ، أَي من أَبْعَدِ مَعْلَمٍ يَتَعَلَّمُونَه.
ومن المَجَاز : الفِقْرَةُ : أَجْوَدُ بَيْتٍ في القَصِيدَة ، تَشْبِيهاً بفِقْرَةِ الظَّهْرِ. ويُقال : ما أَحْسَنَ فِقَرَ كَلامِه ، أَي نُكَتَه ، وهِي
__________________
(١) اللسان : من نفسه.
(٢) في اللسان والأساس : كالعُمْرَى.
(٣) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : مثل أركب ، مراده أن أركب المهر وأفقر بمعنى واحد ، وعبارة التكملة : وأفقر المهر حان له أن يركب فقاره مثل أركب اهـ» وهو قول الكسائي كما نقله الأزهري عن أبي عبيد عنه.
(٤) في القاموس «مُجْرٍ» وعلى هامشه عن نسخة أخرى «مجزىء» كالأصل.