أَمَّا الفَقِيرُ الّذي كانَتْ حَلُوبَتُهُ |
وَفْقَ العِيَال فلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ (١) |
أَوْ هُوَ ، أَي المسْكِينُ ، أَحْسَنُ حالاً من الفَقير ، وهو قَوْلُ الأَصْمعيّ. وكذلك قال أَحْمَدُ بنُ عُبَيُدٍ. قال أَبو بَكْر : وهو الصَّحِيحُ عندنا ، لأَنَّ الله تعالَى سَمَّى مَنْ له الفُلْكُ مِسْكِيناً ، فقال : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) (٢) وهي تُساوِي جُمْلَةً. قلتُ : ورُدَّ بأَنَّ السَّفِينَةَ لم تَكُنْ مِلْكاً لهم بَلْ كانوا يَعْمَلُون فيها بالأُجْرَة. ويَشْهَدُ له أَيضاً قِرَاءَةُ من قَرَأَ بالتَّشْدِيد. وقال يُونُسُ : الفَقُيرُ أَحْسَنُ حالاً من المِسْكين ، واسْتَدَلّ بقَوْلِ الأَعْرَابيّ الذي تَقَدّم وبِبَيْت الرّاعِي. وقال الفَرّاءُ في قوله عَزَّ وجَلَّ : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) (٣) قال : الفُقَرَاءُ : هُم أَهْلُ الصُّفَّة ، كانُوا لا عَشَائرَ لَهُم ، فكانُوا يَلْتَمِسُون الفَضْلَ في النَّهارِ ويَأْوُون إِلى المَسْجِد. قال : والمَسَاكِينُ : الطَّوَّافُون على الأَبْوَابِ ، أَو هُمَا سَوَاءٌ ، وهو قَوْلُ ابنِ الأَعْرَابيّ ، فإِنّه قال : الفَقِيرُ : الّذي لا شَيْءَ له ، والمِسْكِينُ مثلُه. قال البَدْرُ القَرافيّ : وإِذا اجْتَمَعَا افْتَرَقَا ، كما إِذا أُوصِيَ للفُقَرَاءِ والمَسَاكِينِ فلا بُدَّ من الصَّرْف للنَّوْعَيْن ، وإِن افْتَرَقَا اجْتَمَعَا ، كما إِذا أُوصِيَ لأَحَدِ النَّوْعَيْن جازَ الصَّرْفُ للآخَرِ.
ورَجُلٌ فَقيرٌ من المالِ ، وقد فَقُرَ ـ ككَرُمَ ـ فهو فَقِيرٌ ، من قَوْم فُقَرَاءَ ، وهي فَقِيرَةٌ ، من نِسْوَةٍ فَقَائرَ ، وحَكَى اللّحْيَانيّ : نِسْوَةٌ فُقَراءُ ، قال ابنُ سِيدَه : ولا أَدْرِي كَيْفَ هذا. قال سِيبَوَيْه : وقالُوا : افْتَقَرَ ، كما قالُوا اشْتَدَّ ، ولم يَقُولُوا : فَقُرَ ، كما لم يَقُولُوا : شَدُد ، ولا يُسْتَعْمَل بغَيْرِ زِيَادة.
وأَفْقَرَهُ الله تعالَى ، مِنَ الفَقْر ، فافْتَقَر.
والمَفَاقِرُ : وُجُوهُ الفَقْرِ ، لا وَاحِدَ لهَا. ويُقَال : سَدَّ الله مَفَاقِرَه ، أَي أَغْناهُ وسَدَّ وُجُوهَ فَقْرِه ، قال النابِغَةُ :
فأَهْلِي فِدَاءٌ لامْرِىءٍ إِنْ أَتَيْتُهُ |
تَقَبَّلَ مَعْرُوفِي وسَدَّ المَفَاقِرَا |
وفي حَدِيث مُعَاوِيَة : أَنّه أُنْشِدَ ـ قال الزَّمَخْشَريّ للشَّمّاخ ـ :
لَمَالُ المَرْءِ يُصْلِحُه فيُغْنِي |
مَفاقِرَه أَعَفُّ من القُنُوعِ |
وقيل : المَفَاقِرُ : جَمْعُ فَقْر ، على غَيْرِ القِياس ، كالمَشابِه والمَلامِح ، ويَجُوز أَنْ يكونَ جَمْعَ مَفْقَر ، مصدر أَفْقَرَه ، أَو جَمْعَ مُفْقِر.
والفِقْرَة ـ بالكسر ـ والفَقْرَة والفَقَارَة ، بِفَتْحِهما : واحِدَةُ فَقَارِ الظّهْر ، وهو ما انْتَضَدَ من عِظَامِ الصُّلْب مِنْ لَدُنِ الكاهِلِ إِلى العَجْبِ ، ج فِقَرٌ كعِنَبٍ ، وفَقَارٌ ، مثلُ سَحَاب ، وقيل في الجَمْع : فِقرَات ـ بالكسر أَو بكسرتين ـ وفِقَرَات ، كعِنَبات. قال ابنُ الأَعْرَابيّ : أَقَلُّ فِقَرِ البَعِيرِ ثَمَانِ عَشْرَةَ ، وأَكثرُهَا إِحدَى وعِشْرُون إِلى ثَلاثٍ وعِشْرِينَ. وفَقَارُ الإِنْسَانِ سَبْعٌ.
والفَقِيرُ : الرَّجُلُ الكَسِيرُ الفَقَارِ ، قال لَبِيدٌ يصف لُبَداً ، وهو السابعُ من نُسُور لُقْمَان بن عادٍ :
لَمَّا رَأَى لُبَدُ النُّسُورَ تَطَايَرَتْ |
رَفَعَ القَوادِمَ كالفَقِيرِ الأَعْزَلِ |
والأَعْزَلُ من الخَيْلِ : المائِلُ الذَّنَبِ ، والفَقِيرُ : المَكْسُورُ الفَقَارِ ، يُضْرَبُ مَثَلاً لكلّ ضَعِيفٍ لا يَنْفُذ في الأُمُورِ ، كالفَقِر ـ ككَتِف ـ والمَفْقُورِ.
ورَجُلٌ فَقِرٌ : يَشْتَكِي فَقَارَه. قال طَرَفَة :
وإِذَا تَلْسُنُنِي أَلْسُنُها |
إِنَّنِي لَسْتُ بمَوْهُونٍ فَقِرْ |
وفي التَّهْذِيب : الفَقِيرُ : مَعْناه المَفْقورُ الذي نُزِعَتْ فِقْرَةٌ (٤) من ظَهْرِه فانْقَطَع صُلْبُه من شِدّةِ الفَقْر ، فلا حالَ هي أَوْكَدُ من هذه. وقال أَبُو الهَيْثَم : للإِنسانِ أَرْبَعٌ وعِشْرُون فَقارَة ، وأَرْبَعٌ وعِشْرُون ضِلَعاً : سِتُّ فَقَاراتٍ في العُنق ، وسِتُّ فَقَارَات في الكاهِلِ والكاهِلُ بَيْنَ الكَتِفَيْن ـ بين كلِّ ضِلَعَيْن من أَضْلاعِ الصَّدْرِ فَقَارَةٌ من فَقارات الكاهِل السِّتّ ، ثم سِتّ فقَارَات أَسْفَلَ من فَقَارَات الكاهِل ، وهي فَقاراتُ الظَّهْر الّتي بحِذاءِ البَطْن ، بَيْنَ كُلّ ضِلَعَيْن من أَضْلاعِ الجَنْبَيْن فَقَارَةٌ منها ـ ، ثم يُقَال لِفَقارَةٍ واحِدَةٍ تَفْرُق بَيْن فَقَارِ الظَّهْرِ
__________________
(١) ديوانه ص ٦٤ وانظر فيه تخريجه.
(٢) سورة الكهف الآية ٧٩.
(٣) سورة التوبة الآية ٦٠.
(٤) عن التهذيب وبالأصل «فقره».