وقال في العَمْر ، بالفَتْح : وفي الحَدِيث : «كَانَ ابنُ أَبي لَيْلَى يَسْتَاكُ بعَراجِينِ العَمْر». قال : والعَمْرُ أَكْثَرُ اللُّغَتَيْنِ ، وهذَا أَحَدُ وُجُوهِ اشْتِقَاقِ اسْم عَمْرٍو ، وهي ، هكذا في النُّسخ كُلّهَا ، ولَعَلَّه : «وهو» أَي العَمْرُ تَمْرٌ جَيِّد معروفٌ بالبَحْرَينِ.
والعَمْريّ ، بالفَتْح وياءِ النِّسْبَة. وفي بعض النُّسَخ : «والعَمْرَى» أَي كَسَكْرَى هكذا هو مضبوط ، والأُولَى الصَّوُاب : تَمْرٌ آخَرُ ، أَي ضَرْبٌ منه عَذْبٌ ؛ قاله أَبو حَنِيفَةَ أَيضاً.
وقالُوا في القَسَم : عَمْرَ الله ما فَعَلْتُ كذا ، وعَمْرَكَ الله ما فَعَلْتُ كذا ، وعَمْرَكَ الله افْعَلْ كذا ، وإِلّا فَعَلْتَ كذا ، وإِلّا ما فَعَلْتَ كَذا ، على الزيادة بالنَّصْبِ ، وهو من الأَسْمَاءِ المَوْضُوعَة مَوْضِعَ المَصادِر المَنْصُوبَة على إِضْمارِ الفِعْل المَتْرُوكِ إِظْهَارُه ، وأَصْلُه من عَمَّرْتُكَ الله تَعْمِيراً فحُذِفَتْ زِيَادَتهُ فجاءَ على الفِعْل. وأُعَمِّرُكَ الله أَنْ تَفْعَل كذا ، كأَنَّك تُحَلِّفُه بالله وتَسْأَلُه بطُولِ عُمْرِه قال :
عَمَّرْتُكَ الله الجَلِيلَ فإِنَّنِي |
أَلْوِي عَلَيْكَ لوَ أَنّ لُبَّكَ يَهْتَدِي |
وقال الكِسائيّ : عَمْرَكَ الله لا أَفْعَلُ ذاك ، نُصِبَ على معنَى : عَمَّرتُك الله ، أَي سَأَلْتُ الله إِيّاكَ. قال : ويُقال إِنَّه يَمِينٌ بغَيْرِ وَاوٍ. وقَدْ يَكُونُ : عَمْرَ الله ، وهو قَبِيحٌ. وقال أَبو الهَيْثَم : مَعْنَى عَمْرَكَ الله : عبادَتَك الله ، فنُصِبَ ، وأَنشد :
عَمْرَكِ الله ساعةً حَدِّثِينَا |
وذَرِينَا مِن قَوْل مَنْ يُؤْذِينَا |
فأَوْقَعَ الفِعْل على الله عَزّ وجلّ في قوله : عَمْرَكَ الله.
وفي الصّحَاح : مَعْنَى لَعَمْرُ الله وعَمْرُ الله : أَحْلِفُ ببَقاءِ الله ودَوامهِ. وإِذا قُلْتَ : عَمْرَكَ الله ، فكأَنَّكَ قُلْتَ : بتَعْمِيرِك الله ، أَي بإِقْرارِك له بالبَقَاءِ. وقولُ عُمَرَ بنِ أَبي رَبِيعَةَ :
أَيُّهَا المُنْكِحُ الثُّرَيّا سُهَيْلاً |
عَمْرَكَ الله كَيْفَ يَجْتَمعَانِ |
يريد : سأَلتُ الله أَنْ يُطيلَ عُمْرَكَ ، لأَنّه لم يُرِد القَسَم بذلك. أَوْ لَعَمْرُ الله ، أَي وبَقاءِ الله. فإِذا سَقَطَ اللامُ نُصِبَ انْتصابَ المَصَادر ، قال الأَزْهَرِيّ : وتَدْخُل الّلامُ في «لَعَمْرُكَ» ، فإِذا أَدْخَلْتَها رَفَعْتَ بها بالابْتِداءِ فقُلْتَ : لَعَمْرُك ، ولَعَمْرُ أَبِيكَ. فإِذا قُلْتَ : لَعَمْرُ أَبِيكَ الخَيْرَ ، نَصَبْتَ «الخَيْر» وخَفَضْتَ. فَمَنْ نَصَبَ أَرادَ أَنَّ أَباك عَمَرَ الخَيْرَ يَعْمُرُه عَمْراً وعِمَارةً ، فَنَصَبَ الخَيْرَ بوُقُوع العَمْرِ عليه. ومَنْ خَفَضَ الخَيْرَ جعله نَعْتاً لأَبِيكَ. قال أَبو عُبَيْد : سأَلْتُ الفَرّاءَ : لِمَ ارْتَفَعَ «لعَمْرُك»؟ فقال : علَى إِضْمارِ قَسَمِ ثان ، كأَنّه قال : وعَمْركَ فلَعَمْرُك عظيمٌ ، وكذلك لَحَياتُك مِثلُه. أَو عَمْرَكَ الله ، أَيْ أُذكِّرُكَ الله تَذْكِيراً ، قال المُبَرِّدُ في قَوْله «عَمْرَكَ الله» : إِنْ شِئْتَ جعلتَ نَصْبَهُ بفِعْل أَضْمَرْتَه ، وإِن شِئْتَ نَصَبْتَه بواو حَذَفْتَه ، وعَمْرِكَ الله ؛ وإِنْ شئْتَ كان على قولك : عَمَّرْتُك الله تَعْميراً ، ونَشَدْتُك الله نَشْداً (١) ، ثُمَّ وَضَعْتَ عَمْرَك في مَوْضِع التَّعْمِيرِ. وأَنشد فيه :
عَمَرْتُكِ الله إِلَّا ما ذَكَرْتِ لنَا |
هل كُنْتِ جارتَنَا أَيّامَ ذِي سَلَمِ (٢) |
يريد ذَكَّرْتُكِ الله. قال الأَزهريّ : وفي لُغَةٍ لهم : «رَعَمْلُك» يُرِيدون لَعَمْرُك. قال : وتَقُولُ : إِنّك عَمْرِي لَظَرِيفٌ. قلتُ : وأَنشد الزَّمَخْشَريّ قولَ عُمَارةَ بن عَقِيل الحَنْظَليّ :
رَعَمْلُكَ إِنَّ الطائرَ الواقِعَ الّذِي |
تعرّضَ لي منْ طائرٍ لَصَدُوقُ |
وقال ابنُ السِّكّيت : لَعَمْرُك ، ولَعَمْرُ أَبِيكَ ، ولَعَمْرُ الله ، مَرْفُوعة. وفي حَدِيث لَقيط : «لعَمْرُ إِلهِك» : هو قَسَمٌ ببَقاءِ الله تعالى ودَوامه.
وجاءَ في الحَدِيث النَّهْيُ عن قَوْلِ الرَّجُل في القَسَم : لَعَمْرُ الله ، لأَنّ المُرادَ بالعَمْرِ عِمَارَةُ البَدَنِ بالحَيَاةِ ، فهُوَ دُونَ البَقَاءِ ، وهذا لا يَلِيقُ به جَلَّ شَأْنُه وتَعَالَى عُلُوًّا كبيراً. وقد سَبَقَت الإِشارَةُ إِليه في أَوّل المادَّةِ.
وعَمِرَ الرَّجُلُ ، كفَرِحَ ونَصَرَ وضَرَبَ ، الأَخيرَةُ عن سيبويه (٣) ، عَمْراً ، بالفتح ، وعَمَارَةً ، ككَرَامَة ، وعَمَراً ، مُحَرَّكَةً ؛ عاشَ وبَقِيَ زَماناً طَوِيلاً ، قال لَبِيدٌ :
وعَمَرْتُ حَرْساً قَبْلَ مَجْرَى دَاحِسٍ |
لَوْ كانَ للنَّفْس اللَّجُوجِ خُلُودُ |
__________________
(١) عن التهذيب وبالأصل «نشيداً».
(٢) انظر شرحه في الخزانة ، الشاهد الخامس والثمانون.
(٣) في اللسان : وعمر الرجل يعمَر .. وعمر يعمُرُ ويعمِرُ الأخيرة عن سيبويه.