مِن أَهل اللغَةِ أَن الحَرَّ يُجْمَعُ على أَحارِرَ ، ولا أَعرفُ صِحَّتَه. قال شيخُنَا : وقال صاحبُ الواعِي : ويجمع أَحارّ ، أَي بالإِدغام. قلتُ : وكأَنَّه فِرارٌ مِن مخالفةُ القِيَاس.
وقد يكونُ الحَرَارَةُ الاسمَ (١) ، وجَمْعُها حينئذٍ حَرَاراتٌ.
قال الشاعر :
بِدَمْعٍ ذِي حَرَارَاتٍ |
|
على الخَدَّيْنِ ذِي هَيْدَبْ |
وقد تكونُ الحَرَارَاتُ هُنَا جَمْعَ حَرَارَة ، الذي هو المَصْدَرُ ، إِلّا أَنَّ الأَولَ أَقربُ.
وتقول : حَرَّ النَّهَارُ ، وهو يَحَرُّ حَرًّا ، وقد حَرِرْتَ يا يَوْمُ ، كمَلِلْتَ ـ أَي مِن حَدِّ عَلِمَ ، عن اللِّحْيَانيِّ ـ وفَرَرْتَ ـ أي مِن حَدَّ ضَرَبَ ـ ومَرَرْتَ أَي مِن حَدِّ نَصَرَ ـ تَحَرُّ وتَحِرُّ وتَحُرُّ ، حَرًّا وحَرَّةً وحَرارَةً [وحُرُوراً] (٢) ، أَي اشتدَّ حَرُّكَ.
والحَرُّ (٣) : زَجْرٌ للبَعِير ، كذا في النُّسَخ ، والصَّوَابُ للعَيْر ، كما هو نَصُّ التَّكْمِلة (٤). يُقَال له : الحَرُّ ، كما يُقَال للضَّأْنِ : الحَيْهِ. أَنشدَ ابن الأَعْرَابيّ :
شَمْطَاءُ جاءَتْ مِن بلادِ البَرِّ |
|
قد تَرَكَتْ حَيْهِ وقالت حَرِّ |
ثمّ أَمالَتْ جانِبَ (٥) الخِمِرِّ |
|
عَمْداً على جانِبِها الأَيْسَرِّ |
والحَرُّ : جمْعُ الحَرَّةِ. قال شيخُنا : وهو اسمُ جنْسٍ جَمْعِيٌّ لا جمعٌ اصطِلاحِيٌّ. والحَرَّةُ : اسمٌ لأَرضٍ ذاتِ حِجارةٍ نَخِرَةٍ سُودٍ ، كأَنَّهَا أُحْرِقَتْ بالنّار ، وقيل : الحَرَّةُ مِن الأَرَضِينَ : الصُّلْبَةُ الغَلِيظَةُ التي أَلْبسَتْها حِجارَةٌ سُودٌ نَخِرَةُ ، كأَنَّهَا مُطِرَتْ ، كالحِرَارِ ـ بالكسر ـ جمْع تَكْسِيرٍ ، وهو مَقِيسٌ ، والحَرّاتِ جمْع مُؤَنَّث سالم والحَرِّينَ جمع مذكَّر على لَفْظِه ، والأَحَرِّينَ على تَوَهُّمِ أَن له مفرداً على أَحَرَّةٍ ، وهو شاذٌّ. قال سِيبَوَيْهِ : وزَعَم يُونسُ أَنهم يقولون : حَرَّةٌ وحَرُّونَ ، جَمَعُوه بالواو والنُّون ، يُشَبِّهُون بقولهم : أَرْضٌ وأَرضُون ؛ لأَنها مؤنثةٌ مثلها ، قال : وزَعَمَ يُونُسُ أَيضاً أَنهم يقولون : حَرَّةٌ وإِحَرُّونَ ، يَعْنِي الحِرَارَ ، كأَنه جمْعُ إِحَرَّةٍ ، ولكن لا يُتَكَلَّمُ بها.
أَنشدَ ثعلبٌ لزيد بنِ عَتاهِيَةَ التَّمِيميِّ ، وكان زيدٌ المذكورُ لمّا عَظُمَ البَلاءُ بصِفِّين قد انهزمَ ولَحِقَ بالكُوفة ، وكان عليٌّ رضيَ الله عنه قد أَعْطَى أَصحابَه يومَ الجَمَلِ خَمْسَمِائَة دِرهمٍ من بيتِ مالِ البَصْرَةِ ، فلما قَدِمَ زيدٌ عَلَى أَهله قالتْ له ابنتُه : أَين خَمْسُ المائِة ؛ فقال :
إِنّ أَباكِ فَرَّ يومَ صِفِّينْ |
|
لمَّا رَأَى عَكّا والأَشْعَرِيِّينْ |
وقَيْسَ عَيْلانَ الهَوَازِنِيِّينْ |
|
وابنَ نُمَيْرٍ في سَرَاةِ الكِنْدِينْ |
وذَا الكَلَاعِ سَيِّدَ اليَمَانِينْ |
|
وحابِساً يَسْتَنُّ في الطّائِيِّينْ |
قال لِنَفْسِ السُّوءِ هل تَفِرِّينْ؟ |
|
لا خَمْسَ إِلّا جَنْدَلُ الإِحَرِّينْ |
والخَمْسُ قد يُجْشِمْنَكِ الأَمَرِّينْ (٦) |
|
جَمْزاً إِلى الكُوفَةِ مِن قِنِّسْرِينْ |
قال ابن الأَثير : ورَوَاه بعضُهم : «لا خِمْس» ـ بكسر الخاءِ ـ مِن وُرُود الإِبل ، والفتحُ أَشْبَهُ بالحديث ، ومعناه ليس لك اليومَ إِلّا الحِجَارةُ والخَيْبَةُ. وفيه أَقوالٌ غير ما ذكْرنا. وقال ثعلبٌ : إِنّما هو الأَحَرِّين ، قال : جاءَ به على أَحَرَّ ؛ كأَنه أَرادَ هذا الموضعَ الأَحَرَّ ؛ أَي الذي هو أَحَرُّ مِن غيره ، فصَيَّرَه كالأَكْرَمِين والأَرْحَمِين. ونَقَلَ شيخُنا عن سِفْر السَّعَادَة ، وَسَفِير الإِفادة للعَلَم السَّخَاويِّ ما نَصُّه : إِحَرُّون جمعُ حَرَّةٍ ، زادوا الهَمْزَ إِيذاناً باستحقاقِه التَّكْسِيرَ ، وأَنه ليس له جمْع السَّلامةِ ، كما غَيَّروه بالحَرَكة في : بَنُونَ وقِلُونَ ، وإِنما جُمعَ حَرَّة هذا الجمعَ جَبْراً لِمَا دَخَلَه من الوَهنِ بالتَّضْعِيف ثم لم يُتِمُّوا له كمالَ السَّلامة ، فزادُوا الهمزةَ ، وكذلك لمّا جَمعوا أَرضاً فقالوا : أَرَضُونَ ، غَيَّرُوا بالحركَةَ فكانَتْ زيادَةُ الهمزَة في إِحَرِّين كزيادتها في تَغَيُّرِ
__________________
(١) اللسان : وقد تكون الحرارة للاسم.
(٢) في اللسان : وحرارةً وحُرُوراً.
(٣) هذا ضبط القاموس ، كما سيرد ، والتهذيب ، وضبطت في التكملة بكسر الراء.
(٤) في التكملة فكالقاموس «زجر للبعير» وفي التهذيب : زجر للمعز.
(٥) عن التهذيب والتكملة ، وفي الأصل «جالب».
(٦) ويروى : قد تُجشمك وقد جشّمنك.