وكانت كِنْدَةُ تَئدُ البَنَاتِ. قال الله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ) (١) قال المفسّرُون : كان الرجُلُ في الجَاهِلِيَّة إِذَا وُلِدَتْ له بِنْتٌ دَفَنَها حين تَضَعُها والِدَتُها حَيَّةً مخافَةَ العَارِ والحَاجَةِ ، فأَنْزل الله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيّاكُمْ) (٢) وفي الحديث : «الوَئِيدُ فِي الجَنَّة» أَي المَوْءُود ، فَعِيل بمعنى مَفْعُول ، ومنهم من كان يَئد البَنينَ في المَجَاعَةِ. وقال الفَرزدقُ يَعْنِي جَدَّه صَعْصعَةَ بن نَاجِيَةَ :
وَعَمِّي الذي مَنَعَ الوَئِدَاتِ |
|
وَأَحْيَا الوَئِيدَ فَلَمْ يُوأَدِ |
وفي الحديث : «أَنّه نَهَى عن وَأْدِ البَنَاتِ» أَي قَتْلِهِنّ ، وفي حديث العَزْلِ : «ذلِكَ الوَأْدُ الخَفِيُّ» ، وفي حديث آخر : «تلك الموْءُودَةُ الصُّغْرَى» (٣). قال أَبو العَبّاس : من خَفَّف هَمْزَةَ المَوْءُودة قال : مَوْدَة (٤) ، كما تَرَى لئلا يَجْمَع بين ساكنين.
والوَأْدُ والوَئِيدُ : الصَّوْتُ مُطْلقاً ، أَو العَالِي الشَّدِيدُ كصَوْتِ الحائطِ إِذا سَقَطَ ونَحْوِه ، قال المَعْلُوطُ :
أَعَاذِل مَا يُدْرِيك أَنْ رُبَّ هَجْمَةٍ |
|
لِأَخْفَافِهَا فَوْقَ المِتَانِ وَئِيدُ |
قال ابن سيده : كذا أَنشَده اللِّحْيَانيُّ ، ورواه يعقوب : فَدِيدُ. وفي حديث عائشة «خَرَجْتُ أَقْفُو آثَار الناسِ يَوْمَ الخَنْدَقِ فسَمِعْتُ وَئِيدَ الأَرْضِ خَلْفِي» الوَئِيدُ : شِدَّةُ الوَطْءِ على الأَرْضِ يُسْمَعُ كالدَّوِيّ مِن بُعْد.
والوَأْدُ : هَدِيرُ البَعِيرِ ، عن اللّحْيَانيّ ، ويقال : سَمِعْت وَأْدَ قَوَائِمِ الإِبلِ ووَئِيدَها. وفي حديث سَوَادِ بن مُطَرِّف : «وَأْدَ الذِّعْلِبِ الوَجْنَاءِ» أَي صَوْتَ وَطْئِها على الأَرْضِ.
وقال أَبو مِسْحَلٍ في نَوَادِره : التُّؤَدَةُ ، أَي بضمّ التاءِ تُثَقَّلُ وتُخَفَّف ، أَي بفتْحِ الهَمْزَةِ وسُكونِهَا وبِغيرِ هَمْزٍ ، تقول تُؤَدَة وتُؤْدَة وتُودَة ، وهو فُعْلَةٌ من الوَئِيد ، وكذلك التَّوْآدُ ، وعلى الأَوّل اقتَصَرَ كثير من أَئمّة اللّغةِ ، ومعنَى الكُلِّ : الرَّزَانَةُ والتَّأَنِّي والتَّمَهُّل ، قالت الخَنْسَاءُ :
فَتًى كَانَ ذَا حِلْمٍ رَزِينٍ (٥) وتُؤْدَةٍ |
|
إِذَا مَا الحُبَا مِنْ طائِفِ الجَهْلِ حُلَّتِ |
وقد اتَّأَدَ وَتَوَأّدَ ، والتَّوْآدُ منه ، قال الأَزهريُّ : وأَما التُّؤَدَة بمعنى التَّأَنِّي في الأَمْرِ فأَصْلُهَا وُأَدَةٌ ، مثل التُّكَأَةِ أَصلها وُكَأَةٌ فقُلِبت الواو تاءً ، ومنه يقال اتَّئِدْ يَا فَتَى ، وقد اتَّأَدَ يَتَّئِدُ اتِّئَاداً ، إِذا تَأَنَّى في الأَمْرِ ، قال : وثُلاثِيُّه غير مُستعملٍ ، لا يقولون وَأَدَ يَئِد بمعنَى اتَّأَدَ ، وقال الليثُ : يقال اتَّأَدَ وتَوَأّدَ ، فاتَّأَدَ على افْتَعَل وتَوَأّدَ على تَفَعَّلَ ، والأَصل فيه (٦) الوَأْدُ ، إِلّا أَن يكون مَقْلُوباً من الأَوْد وهو الإِثقال ، فيقال آدَنِي يَؤُودُنِي أَي أَثقَلَنِي ، والتَّأَوُّدُ منه ، ويقال : تَأَوَّدَتِ المَرْأَةُ في قِيامِها إِذا تَثَنَّتْ لِتَثَاقُلِهَا ، ثم قالوا : تَوَأّدَ واتَّأَدَ إِذا تَرَزَّنَ وتَمَهَّل ، والمَقلوباتُ في كلامِ العربِ كَثيرةٌ ، قال شيخُنتا ، وهذا قد حَكاه المُرْتَضَى عن بعضِ اللُّغويّينَ. ومن هنا وقَع في المصباح تَخْلِيطٌ في المادَّتَيْنِ ، ولم يُفَرِّق بين الأَجْوَف والمِثَال.
ومن المقلوب المَوائِدُ ، وأَصلُها المَآوِدُ بمعنى : الدَّوَاهِي وقد تقدّمت الإِشارة إِليه.
ويقال تَوَأّدَتْ (٧) عليه الأَرْضُ على القَلْبِ تَودَّأَت إِذا غَيَّبَتْه وذَهَبَتْ به ، قال أَبو منصور : هما لُغتَانِ على القَلْب ، كتَكَمَّأَتْ وتَلَمَّعَتْ.
* ومما يستدرك عليه :
المثل «هُو أَضَلُّ مِنْ مَوْءُودَةٍ» وحَكَى أَبو عليًّ : تَيْدَكَ بمعنى اتَّئِدْ.
واتَّئِدْ في أَمْرك : تَثَبَّتْ.
ومَشَى مَشْياً وَئِيداً ، أَي عَلَى تُؤدَةٍ ، قالت الزَّبَّاءُ :
مَا لِلْجِمَالِ مَشْيُهَا وَئِيدَا |
|
أَجَنْدلاً يَحْمِلْنَ أَمْ حَدِيدَا |
__________________
(١) سورة التكوير الآية ٨.
(٢) سورة الإسراء الآية ٣١.
(٣) جعل العزل عن المرأة بمنزلة الوأد إلّا أنه خفي لأن من يعزل هرباً من الولد ، ولذلك سماها المؤودة الصغرى. لأن وأد البنات الأحياء المؤودة الكبرى.
(٤) عن اللسان ، وبالأصل «مؤودة».
(٥) عن اللسان ، وبالأصل «وزين».
(٦) في التهذيب : فيهما.
(٧) عن القاموس والتهذيب ، وبالأصل : تودأت عليه الأرض على القلب من توأدت.