ومن المَجاز : مَادَ الرجلُ يَمِيدُ فهو مائِدٌ : أَصَابَه غَثَيَانٌ وحَيْرَةٌ ودُوَارٌ مِن سُكْرٍ أَو رُكوبِ بَحْرٍ ، مِن قَوْمٍ مَيْدَى ، كرَائِبٍ ورَوْبَى ، وفي البصائر : مَيْدَى كحَيْرَى.
ومادَ الرَّجُلُ : تَحَيَّرَ.
وروى أَبو الهيثم : المائدُ : الذي يَرْكَبُ البَحْرَ فتَغْثَى نَفْسُه من نَتْنِ ماءِ البَحْرِ حتى يُدَارَ به ، ويَكَاد يُغْشَى عليه ، فيقال : مادَ به البَحْرُ يَمِيدُ به مَيْداً ، وقال الفَرَّاءُ : سَمِعتُ العَرَبَ تَقُول : المَيْدَى : الذين أَصابَهُم المَيْدُ مِن الدُّوَارِ ، وفي حديثِ أُمِّ حَرامٍ : «المائدُ في البَحْرِ له أَجْرُ شَهِيدٍ» ، هو الذي يُدَارُ بِرَأْسِه مِن رِيحِ البَحْرِ واضْطرابِ السَّفِينةِ بالأَمْواجِ.
ومَادَتِ الحَنْظَلَةُ تَمِيدُ : أَصَابَها نَدًى أَو بَلَلٌ فتَغَيَّرَتْ ، وكذلك التَّمْرُ.
والمائدةُ : الطَّعَامُ نَفْسُه ، من مَادَ إِذا أَفْضَل ، كما في اللسان ، وهذا القولُ جَزمَ به الأَخْفَشُ وأَبو حاتمٍ ، أَي وإِن لم يكن مَعه خِوَانٌ ، كما في التقريبِ واللسانِ ، وصرَّح به ابنُ سِيدَه في المحكم ، ونقَلَه في فَتْح البارِي ، قال شيخُنا : والآيةُ صَرِيحَةٌ فيه ، قالَه أَربابُ التفسيرِ والغَرِيبِ ، وقيل : المائدة : الخِوَانُ عليه الطّعامُ ، قال الفارسيُّ : لا تُسَمَّى مائدةً حتى يَكون عليها طَعَامٌ ، وإِلَّا فهي خِوَانٌ. قلت : وقد صرَّح به فقهاء اللُّغَةِ ، وجزمَ به الثَّعالِبيُّ وابنُ فارس ، واقتصر عليه الحريريُّ في دُرَّة الغَوَّاص ، وزعم أَن غيرَه مِن أَوْهَامِ الخَوَاصّ ، وذكر شيخُنا في شَرْحِها أَنه يجوز إِطلاقُ المائدةِ على الخِوَانِ مُجَرَّداً عن الطعامِ ، باعتبار أَنه وُضِعَ أَو سَيُوضَع. وقال ابنُ ظَفَرٍ : ثَبَت لهَا اسمُ المائدة بعدَ إِزالةِ الطّعام عَنْهَا ، كما قيل لِقْحَةٌ بعد الوِلَادة ، قال أَبو عْبَيْد (١) : وفي التنزيل : (رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) (٢) ، المائدة في المعنَى مَفْعُولَةٌ ولفظُها فاعلَة (٣) ، وهي مثل : (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (٤) وقيل : من مَادَ إِذا أَعْطَى ، يقال ، مادَ زَيْدٌ عَمْراً ، إِذا أَعطاه ، وقال أَبو إِسحاق ، الأَصل عندي في مائدة أَنها فَاعِلَة من مَاد يَمِيد إِذَا تَحَرَّك ، فكأَنَّهَا تَمِيدُ بما عَلَيْهَا ، أَي تَتحَرَّكُ ، وقال أَبو عُبيدة : سُمِّيتْ مائدةً لأَنها مِيَدَ بِها صاحِبُها ، أَي أُعْطِيَها وتُفُضِّل عليه بها ، وفي العِنَاية : كأَنَّها تُعْطِي مَنْ حَوْلَهَا مِمَّا حَضَرَ عليها ، وفي المصباح : لأَن المالكَ مَادَهَا للناسِ ، أَي أَعطاهم إِيَّاها ، ومثلُه في كتاب الأَبْنية لابن القطّاع ، كالمَيْدَةِ ، فِيهما ، أَي في الطَّعام والخِوَانِ ، قاله الجَرْمِيُّ وأَنشد :
ومَيْدَةٍ كَثِيرَةِ الأَلْوَانِ |
|
تُصْنَعُ لِلإِخْوَانِ والجِيرَانِ |
والمائدة : الدائِرَةُ من الأَرْضِ ، على التشبيهِ بالخِوان.
وفَعَلَه مَيْدَى (٥) ذلك ، أَي من أَجْلِه. والذي في اللسان مَيْدَ ذلك ، قال : ولم يُسْمَع : مِنْ مَيْدَى ذلك ، ومَيْدٌ بمعنَى غيرٍ أَيضاً ، وقيل هي بمعنَى «عَلَى» كمَا تَقَدَّم في «بَيْدَ» قال ابنُ سِيدَه : وعسَى أَن يكون مِيمُه بَدَلاً من باءِ بَيْد ، لأَنها أَشهر.
ومِيدَاءُ الشيْءِ ، بالكسر والمَدّ : مَبْلَغُه وقِيَاسُه. ومن الطَّرِيقِ : جَانِبَاهُ وبُعْدُهُ وسَنَنُه ، يقال : لم أَدْرِ ما مِيدَاءُ ذلك ، أَي لم أَدْرِ ما مَبْلَغُه وقِيَاسُه ، وكذلك مِيتَاؤُه ، أَي لم أَدْرِ ما قَدْرُ جَانِبَيْهِ وبُعْده ، وأَنشد :
إِذَا اضْطَمَّ مِيدَاءُ الطَّرِيقِ عَلَيْهِمَا |
|
مَضَتْ قُدُماً مَوْجَ الجِبَالِ زَهُوقُ |
ويُروَى «مِيتَاءُ الطَّرِيق». والزَّهُوق : المُتَقَدِّمة من النُّوق ، قال ابنُ سِيده : وإِنما حملْنا مِيدَاءَ وقَضَيْنَا بأَنَّهَا يَاءٌ على ظاهرِ اللفْظِ مع عَدَمِ م ود.
ويقال : بَنَوْا بُيوتَهم على مِيدَاءٍ واحِدٍ ، أَي على طَرِيقَةٍ واحِدَةٍ ، وقال الصاغانيُّ : إِن كان سُمِع : مِيدَاءُ الطَّرِيقِ ، على طَرِيقِ الاعْتِقَابِ لِمِئْتَائِه فهو مَهْمُوزٌ مِفْعَالٌ من أَدَّاه كذا إِلى كذا ، وموضعه [أَبواب] (٦) المعتلّ كمَوْضِع المِئتَاءِ ، وإِن كان بناءً مُسْتقِلًّا فهو فِعْلَالٌ ، وهذا مَوْضِعُه.
ويقال : هذا مِيدَاؤُهُ ، وبِمِيدَائِه ، وبِمِيدَاهُ ، أَي بِحِذَائِه ،
__________________
(١) اللسان والتهذيب : أبو عبيدة.
(٢) سورة المائدة الآية ١١٤.
(٣) الأصل واللسان ، وفي التهذيب : مفعوله ولفظها فاعلة.
(٤) سورة الحاقة الآية ٢١.
(٥) على هامش القاموس من نسخة أخرى : ميداء.
(٦) زيادة عن التكملة.