قال ابن بَرِّيّ : البيتُ لعَبيد بن الأَبرص ، انتهى ، وقال الزَّمخشريُّ في قوله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) (١) قال : أَي رُبَّمَا نَرى ، ومعناه تَكثيرُ الرُّؤْية ، ثم استشهد ببيت الهُذليّ. قال شيخنا (٢) : واستشهد جَمَاعَةٌ من النَّحويين على ذلك ببيت العَروضِ (٣) :
قَدْ أَشْهَدُ الغَارَةَ الشَّعْوَاءَ تَحْمِلُني |
|
جَرْدَاءُ مَعْرُوقَةُ اللَّحْيَيْنِ سُرْحُوبُ |
وفي التهذيب : وقد حَرْفٌ يُوجَبُ به الشيءُ كقولك ، قد كان كذا وكذا ، والخبر أَن تقول : كان كذا وكذا فأُدْخِلَ قَدْ توكيداً لتصديق ذلك ، قال : وتكون قدْ في موضعٍ تُشبِه رُبَّما ، وعندها تَمِيلُ قَدْ إِلى الشَّكّ ، وذلك إِذا كانت مع الياءِ [والتاءِ] (٤) والنون والأَلف في الفِعْل ، كقولك : قد يكون الذي تقول. انتهى. وفي البصائر للمصنِّف : ويجوزُ الفَصْل بينه وبين الفِعْل بالقَسَمِ ، كقولك : قد واللهِ أَحْسَنْت ، وقد لَعَمْرِي بتّ ساهِراً. ويجوز طَرْحُ الفِعْل بَعْدَهَا إِذَا فُهِم ، كقولِ النابغة :
أَفِدَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا |
|
لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالنَا وكَأَنْ قَدِ |
أَي كأَن قَدْ زَالَتْ ، انتهى. وفي اللسان : وتكون قَدْ مثل قَطْ بِمنزلة حَسْب ، تقول : ما لَك عندي إِلَّا هذا فَقَدْ ، أَي فَقَطْ ، حكاه يَعقوبُ ، وزعم أَنه بَدَلٌ. وقَوْلُ الجَوْهَرِيِّ : وإِنْ جَعَلْتَهُ اسْماً شَدَّدْتَه ، فتقول كتَبْتُ قَدًّا حَسَنَةً ، وكذلك كَيْ وهُو ولَوْ ، لأَن هذه الحروف (٥) لا دَلِيلَ على ما نَقَص منها ، فيَجِبُ أَن يُزَادَ في أَواخِرِهَا ما هو من (٦) جِنْسها وتُدْغَم إِلَّا في الأَلف فإِنك تَهْمِزُها ، ولو سمَّيْتَ رَجُلاً بلا ، أَو ما ، ثم زِدْت في آخِره أَلِفاً هَمَزْتَ ، لأَنك تُحَرِّك الثانِيةَ ، والأَلِف إِذا تَحَرَّكَتْ صارَتْ هَمزةً ، هذا نصُّ عبارةِ الجوهريِّ ، وهو مَذْهَب الأَخفشِ وجَمَاعَةٍ من نُحَاةِ البَصْرَةِ ، ونَقلَه المُصنِّف في البصائر ، له ، وأَقرَّه ، وقال ابنُ بَرِّيٍّ : وهذا غلطُ منه وإِنَّما يُشَدَّدُ ما كانَ آخِرُه حَرْفَ عِلَّةٍ. وعبارةُ ابنِ بَرِّيٍّ : إِنما يكون التَّضْعِيفُ في المُعْتَلِّ تَقُولُ في هُو اسم رجل : هذا هُوّ وفي لَوْ : هذا لَوّ ، وفي في هذا فِيّ ، وإِنَّمَا شُدِّدَ لئلَّا يَبْقَى الاسمُ على حَرْف واحد ، لسكون حَرْفِ العِلَّةِ مع التَّنْوِينِ ، وأَمَّا قَدْ إِذا سَمَّيْتَ بها تَقولُ هذا قَدٌ ورأَيتُ قَداً ومررتُ بِقَدٍ ، وفي مَنْ : هذا مَنٌ ، وفي عَنْ هذا عَنٌ ، بالتخفيفِ في الكُلِّ لا غَيْرُ ، ونظيرُه يَدٌ ودَمٌ وشِبْهُهُ. تقول : هذه يَدٌ ورأَيتُ يَداً ومررْت بِيَدٍ ، وقد تَحامَلَ شيخُنَا هنا على المُصَنِّف ، ونَسبه إِلى القُصور وعَدمِ الاطِّلاعِ على حَقِيقةِ مَعْنَى كلام الجوهريّ ما يقضي به العَجَب ، سامَحه اللهُ تعالى ، وتجاوز عن تَحامُله.
* ومما يستدرك عليه :
القِدُّ ، بالكسر : الشيْءُ المَقْدُودُ بِعَيْنِه. والقِدُّ : النَّعْلُ لم يُجَرَّد من الشَّعَر ، ذكرهما المُصنّف في البصائر ، له. قلت : وفي اللسان بعد إِيراد الحَدِيث «لَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكم» إِلى آخره : وقال بعضُهم : يجوز أَن يكون القِدُّ النَّعْلَ ، سُمِّيت قِدًّا لأَنها تُقَدُّ مِن الجِلْدِ ، وروى ابنُ الأَعرابيّ :
كسِبْتِ اليَمَانِي قِدُّهُ لَمْ يُجَرَّدِ
بالجيم ، أَي لم يُجَرَّد من الشَّعَرِ ، فيكون أَلْيَنَ له ، ومن روَى : قَدُّه بالفتح ، ولم يُحَرَّد ، بالحاءِ (٧) ، أَراد : مِثَالُه لم يُعَوَّج ، والتحْرِيد : أَن تَجْعَلَ بعضَ السَّيْرِ عَريضاً وبعضَه دَقيقاً ، وقد تَقدَّم في موضعه.
والمَعقدُّ بالفتح : مَشَقُّ القُبُل. وقولُ النابِغَةِ.
ولِرَهْطِ حَرَّابٍ وقَدٍّ سَوْرَةٌ |
|
فِي المَجْدِ لَيْسَ غُرَابُهَا بِمُطَارِ |
قال أَبو عُبيد : هما رَجلانِ من بني أَسَدٍ. وفي حديث أُحُدٍ : «كان أَبو طَلْحَةَ شَدِيدَ القَدِّ» إِن رُوِيَ بالكَسر فيريد به
__________________
(١) سورة البقرة الآية ١٤٤.
(٢) قوله : «قال شيخنا» فالعبارة التالية ، من تتمة عبارة المغني.
(٣) يريد بقوله «بيت العروض» البيت الذي يستشهد به في علم العروض.
(٤) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله مع الياء الخ في اللسان مع الياء والتاء الخ» والزيادة عن التهذيب.
(٥) أي الكلمات.
(٦) سقطت من المطبوعة الكويتية.
(٧) البيت لطرفة ، من معلقته وتمامه كما في جمهرة أشعار العرب للقرشي ص ٨٧ :
وخدّ كقرطاس الشآمي ومشفر |
|
كسبت اليماني قَدّه لم يحرّد |
قال أبو زيد : شبه خدها بالقرطاس وهو الورق من جهة الشام ، وشبه مشفرها بالجلد المدبوغ بدباغ القرط اللينة وذلك محمود في الناقة والفرس ، وقدّه يعني قطعته ، لم يحرد أي لم يعوّج.