كُفْرُ أَبِي طَالِبٍ مُعَانَدةً ، لأَنه عَرفَ الحَقَّ وأَقَرَّ وأَنِفَ أَن يُقَالَ : تَبِع ابنَ أَخِيه ، فصارَ بذلك كافراً (١).
وأَعْنَدَ في قَيْئِه ، إِذا أَتْبَعَ بَعضَهُ بَعْضاً ، وذلك إِذَا غَلَب عليه ، وكَثُرَ خُرُوجُه. وهو مَجاز. ويقال : استعْنَدَه القَيْءُ أَيضاً ، كما سيأْتي.
والعانِدُ : البَعِيرُ الّذِي يَحُورُ (٢) عن الطَّرِيقِ ، ويَعْدِلُ عن القَصْدِ. ونَاقَةٌ عَنُودٌ : لا تُخَالِطُ الإِبِلَ ، تَبَاعَدُ عَنْهُنَّ فتَرْعَى نَاحِيَةً أَبداً. والجَمْع : عُنُدٌ ، وناقَةٌ عانِدٌ وعانِدَةٌ ، وج أَي جَمْعُهَا جَمِيعاً عَوَانِدُ ، وعُنَّدٌ كرُكَّع قال :
إِذا رَحَلْتُ فاجُعَلُوني وَسَطَا |
|
إِني كَبِيرٌ لا أَطِيقُ العُنَّدَا |
جَمَعَ بينَ الطَّاءِ والدَّالِ ، وهو إِكفاءٌ.
وفي حديث عُمَرَ يَذْكُر سِيرَتَه ، يَصِف نفْسَه بالسياسةِ ، فقال : «إِنِّي أَنْهَرُ (٣) اللَّفُوتَ وأَضُمُّ العَنُودَ ، وأُلحِقُ القَطُوفَ ، وأَزْجُر العَرُوضَ».
قال ابنُ الأَثير : العَنُود من الإِبِلِ : الّذي لا يُخَالِطُهَا ولا يَزالُ مُنْفَرِداً عنها. وأَرادَ : مَن خَرَج عن الجماعة أَعَدْتُه إِليها ، وعَطَفْتُه عَلَيْها.
وقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ وأَبو نَصْرٍ : هي التي تكون في طَائِفَةِ الإِبِل ، أَي في ناحِيَتِها.
وقال القَيْسِيُّ : العَنُود من الإِبل : التي تُعانِدُ فتُعَارِضُها.
قال : فإِذا قادَتْهُنَّ قُدُماً أَمامَهُنَّ فتِلكَ السَّلُوفُ.
وفي المحكَم : العَنُودُ من الدَّوَابِّ : المُتَقَدِّمةُ في السَّيْرِ.
وكذلك هِيَ من حُمُرِ الوَحْشِ. ونَاقَةٌ عَنُودٌ : تَنْكُبُ (٤) الطَّرِيقَ من نَشَاطِها وقُوَّتِها. والجمْع : عُنُدٌ وعُنَّدٌ. قال ابن سيده : وعِنْدِي أَنَّ عُنَّداً ليسَ جمْع عَنُودٍ ، لأَنَّ فَعُولاً لا يُكَسَّر على فُعَّلٍ ، وإِنما هي جمْع عانِدٍ. وإِيَّاه تَبِعَ (٥) المصنِّفُ ، على عادتِه.
والمُعَانَدَةُ : المُفَارَقَةُ والمُجَانَبَةُ ، وقد عَانَدَه ، إِذا جَانَبَه ، وهو مِن عَنَدَ الرَّجُلُ أَصحابَه يَعنُد عُنُوداً ، إِذا ما تَرَكهم واجْتَازَ عليهم ، وعَنَدَ عَنْهُم ، إِذا ما تَرَكَهُم في سَفَرٍ ، وأَخَذَ في غَيْرِ طَرِيقِهم ، أَو تَخَلَّف عنهم. قاله ابنُ شُمَيْلٍ. والعُنُود كأَنَّه الخِلافُ والتَّبَاعُدُ والتَّرْكُ ، لو رأَيْتُ رَجُلاً بالبَصْرةِ من الحِجَازِ (٦) لقُلْتُ : شَدَّ ما عَنَدْتَ عن قَومِكَ ، أَي تَبَاعدْت عَنْهُم.
والمُعانَدَةُ : المُعارَضَةُ بالخِلافِ لا بالوِفاقِ. وهذا الذي يَعْرِفُه العَوَامُّ.
وفي التهذيب : عانَدَ فلانٌ فلاناً : فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِه ، يقال : فلانٌ يُعَانِدُ فلاناً ، أَي يَفْعَل مِثْلَ فِعْلِه ، وهو يُعارِضه ويُبَارِيه. قال : والعامَّة يُفَسِّرُونَه : يُعَانِدُه : يَفْعَلُ خِلَافَ فِعْلِه. قال : ولا أَعْرِفُ ذلك ولا أُثْبِتُه. كالعِنَادِ. وفي اللِّسَان : وقد يكونُ العِنَادُ مُعارَضةً لغيرِ الخِلافِ ، كما قال الأَصمعيُّ ، واستَخْرَجَهُ من عَنَد الحُبَارَى ، جَعَلَه اسماً مِن عانَدَ الحُبارَى فَرْخَه ، إِذا عارَضَهُ في الطَّيَرَانِ أَوَّلَ ما يَنْهَضُ ، كأَنَّه يُعَلِّمُه الطَّيَرَانَ ، شفَقَةً عليه.
وعَانَدَ البَعِيرُ خِطَامَه : عارَضَهُ ، مُعَانَدَةً وعِنَاداً.
والمُعَانَدَةُ في الشيْءِ : الملازَمَةُ فهو ضِدٌّ مع معنَى المفارَقَةِ ، ولم يُنَبِّهْ عليه المصنِّف.
وعنْدَ مُثَلَّثَةَ الأَوّلِ ، صَرَّحَ به جماهِيرُ أَهلِ اللُّغَةِ. وفي «المغني» : وبالكسر أَكثر ، وفي المصباح : هي اللُّغَةُ الفُصْحَى. وفي «التسهيل» : ورُبَّمَا فُتِحَت عينُهَا أَو ضُمَّت.
ومعناها حُضُورُ الشيْءِ ودُنُوُّه ، وهي ظَرْفٌ في المكانِ والزَّمَان ـ بِحَسَبِ ما تُضافُ إِليه ، فإِن أُضِيفَتْ إِلى المَكَانِ كانت ظَرْفَ مكانٍ ، كعِنْدَ البَيْتِ ، وعندَ الدَّارِ ونحْوِه ، وإِن أُضِيفَتْ إِلى الزَّمانِ فكذلكَ ، نحو : عِنْدَ الصُّبْحِ ، وعِنْدَ الفَجْرِ ، وعِنْدَ الغُرُوبِ ، ونحْوِ ذلك ـ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ ، ومثْلُه في الصّحاح. وفي اصطلاح النُّحَاة : غيرُ مُتَصَرِّف ، أَي لازِمٌ للظَّرْفِيَّةِ ، لا يَخْرُج عنها أَصْلاً. ويَدْخُلُهُ من حُرُوفِ الجَرِّ مِنْ وَحْدَها ، كما أَدخلوها على لَدُن ، قال تعالى : (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) (٧) وقال تعالى : (مِنْ لَدُنّا) (٨).
قال شيخُنَا : وجَرُّه بِمِنْ مِن قَبِيلِ الظَّرْفِيَّةِ ، فلا يُرَدُّ ، كما
__________________
(١) بهامش المطبوعة الكويتية «في إيمان أبي طالب خلاف بين السنة والشيعة».
(٢) في الصحاح واللسان : يجور.
(٣) في التهذيب : أنهز اللفوت. ونهزه : دفعه وضربه كنكره ووكزه.
(٤) قوله تنكب الطريق ، في القاموس : «نكب عنه كنصر وفرح نكْباً ونكَباً ونكوباً : عدل كنكّب وتنكّب» عن هامش اللسان.
(٥) بالأصل «نبع» تحريف.
(٦) التهذيب واللسان : من أهل الحجاز.
(٧) سورة الكهف الآية ٦٥.
(٨) سورة الكهف الآية ٦٥ وسورة النساء الآية ٦٧ وسورة مريم الآية ١٣.