ويقولُ. فمن نصَبَ ، جعله غاية ؛ ومن رَفَعَ ، جعله حالاً بمعنى حَتَّى الرَّسُولُ هذه حالُهُ. قال شيخُنا : وظاهرُ كلامه أَنّ
لها دَخْلاً في رفع ما بعدَهَا ، وليس كذلك كما عَرَفْت : وأَنّها هي النّاصبة وهو
مرجوع عند البصريِّين ، وإنّما النّاصِبُ عندَ الجُمْهُور «أَنْ» مقدَّرَة بعدَ «حتَّى» كما هو مشهور في المبادئ.
ولِهذا ، أَي لأَجل أَنّها عاملة أَنواعَ العَمَل في أَنواع
المُعْرَبَات ، وهي الأَسماءُ والفعل المضارع ، قالَ
الفَرَّاءُ : أَمُوتُ ، وفي نَفْسِي مِنْ حتّى شَيْءٌ ، لأَنَّ القواعدَ المقرَّرَةَ بين أَئمّة العربيّة أَنّ
العواملَ الّتي تعملُ في الأَسماء ، لا يُمكن أَن تكون عاملة في الأَفعال ذلك
العملَ ولا غيرَهُ ، ولذلك حَكَموا على الحروف العاملة في نوع بأَنّها خاصّةٌ به ،
فالنّواصبُ خاصَّة بالأَفعال ، كالجوازم لا يُتَصَوَّرُ وِجْدَانُها في الأَسماءِ
، كما أَنّ الحروف العاملة في الأَسماءِ كحروف الجَرّ ، وإنّ وأَخواتِها خاصة
بالأَسماء ، لا يُمْكِن أَن يوجد لها عملٌ في غيرِهَا ، وحَتَّى كأَنَّهَا جاءَت على خلاف ذلك ، فعَملتِ الرّفعَ
والنَّصْبَ والجَرَّ في الأَسماءِ والأَفعال ، وهو على قواعد أَهل العربيّة
مُشْكلٌ.
والصّواب أَنّه
لا إِشكالَ ولا عَمَل ، وحَتَّى عندَ المُحَقِّقِينَ إنّما تعمل الجرَّ خاصةً بشروطها.
وأَمّا الرفعُ ، فقد أَوضحنا أَنَّها يقالُ لها الابتدائيّة ، وما بعدَها مرفوع
بما كان مرفوعاً به قبلَ دخولها ، ولا أَثَرَ لها فيه أَصلاً ، وإنّما نَصْبُ
الفعلِ بعدَهَا له شروط ، إِن وُجِدَت ، نُصِبَ ، وإلّا بقي الفعلُ على رفعه ،
لتجرُّدِه من النّاصب والجازم. وأَمّا النّاصبة ، فهي الجارَّةُ في الحقيقة ،
لأَنَّ نَصْبَ الفعلِ بعدَها إِنّمَا هو بأَنْ مقدّرة على ما عُرِف ، ولذلك
يُؤَوَّلُ الفعلُ الواقِع بعدَهَا بمصدر يكون هو المجرورَ بها ، فقوله تعالى : (حَتّى يَرْجِعَ) ، تقديرُه : حتى أَنْ يَرْجِعَ ، وأَنْ والفِعْلُ : مُؤَوَّلانِ
بِالمصدر ، وهي في المعنى ، كإِلَى الدّالَّة على الغاية.
والتّقدير :
إِلى رجوع موسى إلينا ، وبه تعلم ما في كلام المصنِّف من التقصير والقُصُور ،
والتّخليط الّذي لا يُمَيَّز به المشهورُ من غير المشهور ، ولا يُعْرَفُ منه
الشّاذُّ من كلام الجمهور ، قاله شيخُنا ، وهو تحقيقٌ حسَنٌ.
وفي لسان العرب
: وتدخُل على الأَفعال الآتية ، فتَنْصبُها بإضمارِ «أَنْ» ، وتكونُ عاطفةً بمعنى الواو.
وقال
الأَزهريُّ : وقال النَّحْوِيُّونَ : «حَتَّى» تجيءُ لوقتٍ مُنْتَظَر ، وتجيءُ بمعنى إِلى ،
وأَجمعوا أَنَّ الإِمالَةَ فيها غيرُ مستقيم ، وكذلك في عَلَى. ولِحَتَّى في الأَسماءِ والأَفعال ، أَعمالٌ مختلفة.
وقال بعضهم : حَتَّى ، فَعْلَى ، من
الحَتِّ ، وهو
الفَرَاغُ من الشَّيْءِ ، مثل : شَتَّى من الشَّتِّ. قال الأَزهَرِيُّ : وليس هذا
القولُ ممّا يُعَرَّجُ عليه ؛ لأَنّها لو كانت فَعْلَى من الحَتِّ ، كانت الإِمالةُ جائزةً ، ولكِنَّها حرفُ أَداة ،
وليست باسْمٍ ولا فِعل.
وفي الصَّحاح ،
وغيره : وقولُهُم : حَتّامَ ، أَصلُه : حَتّى ما ، فحذفت أَلف ما للاستفهام ، وكذلك كلُّ حرف من حروف
الجَرِّ يُضَاف في الاستفهام إِلى ما ، فإنّ أَلف ما يُحْذَفُ فيه ، كقوله تَعالَى
: (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) ، و(فِيمَ كُنْتُمْ) ، و(عَمَّ يَتَساءَلُونَ) .
وهُذَيْلٌ تقول
: عَتَّى ، في : حَتَّى ، كذا في اللّسان.
وحَتَّى :
جَبَلٌ بِعُمَانَ.
وحَتّاوَةُ : ة بعَسْقَلانَ ، منها أَبو صالح عَمْرُو بنُ خَلَفٍ عن رَوّاد بن
الجَرّاحِ ، وعنه محمّد بن الحُسَيْن بن قُتَيْبَة ، روى له المالِينيُّ ، وذكره
ابنُ عَدِيٍّ في الضُّعَفاءِ.
وتقول : ما في يدِي مِنْهُ حَتٌّ كما تقُولُ : ما في يَدِي منه شَيْءٌ. وفي الأَساس : ما في يَدِي منه حُتاتَةٌ.
والحَتُّ : سُقُوطُ الوَرَقِ عن الغُصْن وغيرِه.
والحَتُوتُ ، كصَبُورٍ
من النَّخْلِ : المُتَنَاثِرُ البُسْرِ ، كالمِحْتَاتِ.
__________________