والإِقْرارُ بالعُبوديَّة ، والخُشُوعُ ، هذا عن مجاهد.
وقد يقال : إِنَّ السُّكوتَ والإِمساكَ عن الكلام واحدٌ ، وإِنّ الخُشوعَ داخلٌ في التواضع ، وإِدامةَ الحَجَّ وإِطَالَة الغَزْو داخلان في عُمُوم دَوَام الطَّاعَة ، فإِنَّهُمَا من أَعْظَم الطَّاعَة.
وقَالَ الرَّاغبُ : القُنُوتُ : لُزُومُ الطَّاعَةِ مع الخُضوع ، فَيُمْكن أَن يُجْعَلَ لزومُ الطَّاعَة أَيضاً من جُملة مَعَانيه ، فيقَال : الطَّاعَةُ ولزومُهَا ، كما قالوا : القيامُ وطُولُه.
قال شيخُنا : وقد أَوسَعَ الكلامَ عَلَيْه القاضي أَبُو بَكْر بنِ العَرَبِيّ في العَارِضَةِ وغيرِه من مُصَنَّفَاتِه ، وقال : إِنَّ القَنوتَ له عَشرةُ مَعانٍ ، ونقلَه الإِمَامُ الحافظُ الزَّيْنُ العِرَاقِيُّ ، وزادَ عليه ، ونَظَم المَعَانِيَ كلَّها في ثلاثةِ أَبياتٍ ، ونَقَلَهَا الحَافِظُ شِهابُ الدينِ أَحمدُ بنُ حَجَر العَسْقَلانِيّ في أَواخِرِ بابِ الوِتْرِ من فَتْحِ البَارِي ، وهي :
ولفْظ القُنُوتِ اعْدُدْ مَعَانِيَهُ تَجِدْ |
|
مَزِيداً على عَشْرٍ معانِيَ مَرْضِيَّهْ |
دُعَاءٌ خُشُوعٌ والعبادَةُ طاعَةٌ |
|
إِقَامَتُهَا إِقرارُه بالعُبُودِيَّهْ |
سُكُوتٌ صلاةٌ والقِيَامُ وطُولُهُ |
|
كذاك دَوَامُ الطَّاعَةِ الرّابِحُ النِّيَّهْ (١) |
قلت : وقد أَلْحَق شيخُنا المرحومُ بيتاً رابعاً جامعاً لما زادَه المجدُ.
دَوَامٌ لِحَجٍّ ، طُولُ غَزْوٍ ، تَوَاضُعٌ |
|
إِلى اللهِ خُذهَا سِتَّةً وثَمانِيَهْ |
قال ابنُ سِيده : وجمع القَانِتِ من ذلك كله قُنَّتٌ ، قال العَجَّاجُ :
رَبُّ البِلادِ والعِبَاد القُنَّتِ
وامْرَأَةٌ قَنِيتٌ بَيِّنَةُ القَنَاتَةِ : قَلِيلَةُ الطَّعْمِ (٢) ، كَقَتِينٍ ، نقله الصاغانيّ.
وسِقَاءٌ قَنِيتٌ أَي مِسِّيكٌ ، على وزن سِكِّيتٍ ، كما في نسختنا ، أَي يُمْسِك الماءَ ، وهو الصوابُ ، وسيأْتي في الكاف ، ويُوجَدُ في بعض النسخ : «مُسِيلٌ» على صيغة اسم الفاعلِ ، من أَسالَ الماءَ ، وهكذا رأَيته أَيضاً مَضْبُوطاً في نسخة التَّكْمِلَة ، فليُنْظَر.
* ومما يُستدرك عليه أَيضاً :
قَنَتَ له ، إِذا ذَلَّ.
وَقَنَّتَتِ الْمَرْأَةُ لبَعْلِها أَقَرَّتْ (٣).
والاقْتِنَاتُ : الانْقِيادُ.
[قنعت] : رجُلٌ قِنْعَاتٌ ، بالكَسْرِ ، أَهمله الجوهَرِيّ والصاغانيّ ، وقال صاحبُ اللسان : أَي كثيرُ شَعَرِ الوَجْهِ والجَسَدِ.
[قوت] : القُوتُ ، بالضَّم : ما يُمْسِكُ الرَّمَقَ من الرِّزْقِ.
وفي المحكم : القُوتُ والقِيتُ والقِيتَةُ بكَسْرِهِما ، والقَائِتُ ، والقُواتُ بالضّمّ ، وهذا عن اللِّحْيَانِيّ ، قال ابنُ سِيدَه : ولم يُفَسِّرْه ، وعندي أَنهُ من القُوتِ ، وهو : المُسْكَةُ من الرِّزْقِ.
وفي الصّحاح : هو ما يَقُومُ بِهِ بَدَنُ الإِنْسانِ من الطَّعَامِ.
وجمعُ القُوتِ أَقْوَاتٌ.
ويقال : ما عِنْده قوتُ ليلةٍ ، وقِيتُ لَيْلَةٍ ، وقِيتَةُ لَيْلَةٍ ـ لمَّا كُسِرَتِ القَاف صارت الواو ياءً ـ وهي البُلْغَة ، وفي الحديث : «اللهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتاً» أَي بقدر ما يُمْسِك الرَّمَقَ من المَطْعَمِ ، وفي حديث الدُّعَاءِ : «وجعَلَ لِكُلٍّ منهم قِيتَةً مَقْسُومَةً من رِزْقهِ» وهي فِعْلَة من القَوْتِ ، كمِيتَةٍ من المَوْتِ.
وَقَاتَهُم يَقُوتُ قَوْتاً بالفتح ، وقال ابنُ سيده : قَاتَه ذلك قَوْتاً وقُوتاً بالضّمّ ، الأَخيرةُ عن سيبويه وقِيَاتَةً بالكَسْرِ ككِتَابَةٍ : عَالَهم ، وأَنا أَقُوتُه ، أَي أَعُولُه برزْقٍ قليل ، وقُتُّهُم فاقْتَاتُوا ، كما تَقُول : رَزَقْتُه فارْتَزَقَ ، وفي الحَديث : «كَفَى بالمَرْءِ إِثْماً أَن يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» أَرَادَ من تَلزمُه نَفَقَتُه من أَهْله وعِيَاله وَعَبيده ، ويُرْوى «مَنْ يَقِيتُه» (٤) على اللُّغَة الأُخرى.
__________________
(١) في فتح الباري (كتاب الوتر ـ ح ١٠٠٤) : الرابح القنية.
(٢) هذا ضبط القاموس واللسان.
(٣) أي سكنت وانقادت.
(٤) في التهذيب والنهاية : «يقيت» وفي اللسان : يقيت.