كخَافَهُ يَخَافُهُ ، هَيْباً ، وهَيْبَةً ، ومَهَابَةً : خَافَهُ وراعَهُ ، كاهتَابَهُ ، قال :
وَمرْقَبٍ تَسْكُنُ العِقْبَانُ قُلَّتَهُ |
أَشْرفْتُهُ مُسْفِراً والشَّمْسُ مُهْتَابَهْ |
وفي كتاب الأَفعال هابَه من باب تَعِبَ : حذِرَه ، ويُقال : هَابَه يَهِيبُه ، نقله الفَيُّوميّ في المصباح.
ونقل شيخُنا عن ابنِ قَيِّم الجَوْزِيَّةِ ، فِي الفرْق بين المَهَابَة والكِبْر ، ما نَصُّه : بانّ المَهابةَ أَثرُ امتلاءِ القلبِ بمهابةِ الرَّبّ ومحبَّته ، وإِذا امتلأَ بذلك ، حلَّ فيه النُّورُ ، ولَبِس رِداءَ الهَيْبة ، فاكتسَى وَجهُهُ الحَلاوةَ والمَهَابَةَ فحَنَّت إِليهِ الأَفئدةُ ، وقَرَّتْ بها العُيُونُ. وأَمّا الكِبْرُ ، فهو أَثَرُ العُجْبِ في قلْبٍ مملوءٍ جهلاً وظُلُمات ، رانَ عليه المَقْتُ ، فنَظَرُه شَزْرٌ ، ومِشْيتُهُ تَبخْتُرٌ ، لا يبْدأُ بسَلام ، ولا يَرى لِأَحدٍ حَقّاً عليه ، ويَرى حَقَّهُ على جميع الأَنامِ ، فلا يزدادُ من اللهِ إِلّا بُعْداً ، ولا من النّاس إِلا حَقاراً وبُغْضاً. انتهى.
وهو هائِبٌ ، وهو أَصلُ الوصْف. والأَمْر فيه : هَبْ ، بفتح الهاءِ ، لأَنّ الأَصل فيه : هابْ ، سقطت الأَلفُ ، لاجتماع السّاكنَيْن. وإِذا أَخبرتَ عن نفسك ، قُلْتَ : هِبْتُ ، وأَصلُه : هَيِبْتُ ، بكسر الياءِ ، فلما سُكِّنت ، سقطت ، لاجتماع السّاكنين ، ونُقِلَتْ كسرتُها إِلى ما قَبْلَهَا. فقِسْ عليه ، كذا في الصّحاح.
ورَجُلٌ هَيُوبٌ ، كصَبُورٍ : هو ومَا بَعْدَهُ يأْتي للمُبَالَغَة ، وفي حديثِ عُبَيْدِ بنِ عُميْر : «الإِيمانُ هَيُوبٌ» أَي يُهابُ أَهلُه ، فَعُولٌ بمعنى مفعول ، وهو مَجاز ، على ما في الأَساس ، والنّاسُ يَهابون أَهلَ الإِيمان ، لِأَنّهم يَهابون اللهَ ويَخافونَهُ. وقيلَ : هو فَعُولٌ بمعنى فاعلٍ ، أَي : أَنَّ المؤمنَ يَهابُ الذُّنوبَ والمَعَاصِيَ ، فيَتَّقِيها. ويُقَالُ : هَبِ النّاسَ يَهابُوكَ ، أَي : وَقِّرْهُم ، يُوَقِّرُوكَ. وقد ذَكرَ الوجْهين الأَزهريُّ (١) وغيرُه ، وهَيَّابٌ كشَدَّادٍ ، وَهَيِّبٌ كسيّد ، وجُوِّز فيه التَّخفيف كبين وهيْبَانٌ كشَيْبَان ، وهَيِّبانٌ ، بكَسْرِ المُشَدَّدِة مع (٢) فَتْحِها ، هكذا في النُّسَخ الصَّحِيحة ، وسقط من بعضها ، وهَيَّابَةٌ بزيادة الهاءِ ، لتأْكيد المُبَالغة ، كما في : عَلّامة ، كُلُّ ذلك بمعنى يَخَافُ النّاسَ زاد في اللّسان : وهَيُّوبَةٌ.
ورجلٌ مَهُوبٌ ، وكذلك مَكَانٌ مَهُوبٌ ، ويأْتي للمصنِّف ، ورجل مهِيبٌ كَمَقِيلٍ ، وَهَيُوبٌ كصَبُورٍ ، وَهَيْبَان كَشَيْبَان : إِذا كان يَخافُه النّاسُ ، أَمّا هَيُوب فقد يكونُ الهائبَ ، وقد يكون المَهِيب. ومَهِيبٌ واردٌ على القياس ، كمَبِيع. وأَمّا هَيْبَان ، فلم يَذْكُرْهُ الجوهريُّ ، وبالغَ في إِنكاره شيخُنا ، وهو منه عجيبٌ ، فإِنه قال ثعلب : الهَيَّبَانُ : الذِي يُهابُ ، فإِذا كان ذلك كان الهَيَّبَان في مَعْنَى المفعول ، ونقله ابْنُ منظورٍ وغيرُهُ ، فكيف يسوغُ لشيخنا الإِنكارُ ، واللهُ حليمٌ سَتَّار؟ : وتَهَيَّبَنِي الشَّيءُ : بمعنى تَهَيَّبْتُه أَنا. وقال ابْنُ سِيدَه : تَهَيَّبَنِي الشَّيْءُ ، وتَهَيَّبْتُهُ : خِفْتُهُ ، وخَوَّفَنِي ، قال ابْنُ مُقْبِلٍ :
وما تَهَيَّبُنِي المَوْماةُ أَرْكَبُها |
إِذَا تَجاوَبَتِ الأَصْدَاءُ بالسَّحَرِ |
قال ثعلب : أَي لا أَتَهَيَّبُها أَنا ، فَنَقَل الفِعْلَ إِليْها. وقال الجَرْمِيّ : لا تَهيَّبُنِي المَوْماةُ ، أَي : لا تَمْلأُنِي مَهابَةً.
والهَيَّبانُ ، مُشَدَّدَةً أَي ياؤُه مع فَتْحِها ، كما نقله أَقوامٌ عن سِيبَوَيْهِ في الصَّحِيح ، وهو الَّذي في نسختنا ونَقَل قومٌ الكسرَ : الكَثِيرُ من كُلِّ شَيْءٍ.
والهَيَّبَانُ : الجَبَانُ المُتَهَيِّبُ الذي يَهابُ النّاسَ ، كالهَيُوبِ. ورجلٌ هَيُوبٌ : يَهَابُ من كلِّ شَيءٍ. قال الجَرْميّ : هو فَيْعَلان ، بفتح العين ، وضَبْط الجَوْهَريِّ بِكَسْرِهَا. وقال بعضُ العلماءِ : لا يجوزُ فيه الكسرُ ، لأَنَّ فَيْعِلان ، لم يجئ (٣) في الصَّحيح ، وإِنَّمَا جاءَ فيه فَيْعَلان كقَيْقَبَان. والوجْهُ أَن يُقَاسَ المُعْتَلّ بالصّحيح. قال شيخنا : هو قِياسٌ غيرُ صحيح ، ولا يُعْرَفُ الفتحُ في المعتلِّ ، كما لا يُعْرَفُ الكسر في الصَّحِيح ، إِلّا في نَوَادِرَ.
والْهَيَّبَانُ : التَّيْسُ ، نقله الصّاغانيُّ (٤).
وقيل : الْهَيَّبانُ : الخَفِيفُ النَّحِزُ (٥).
__________________
(١) عبارة التهذيب : وله وجهان : أحدهما : المؤمن يهاب الذنب فيتقيه.
والآخر : المؤمن هيوب أي مهيوب لأنه يهاب الله فيها به الناس ، أي يعظمون قدره ويوقرونه.
(٢) في القاموس : وفتحها.
(٣) بالأصل «لم يجز» وبهامش المطبوعة المصرية : «قوله لم يجز كذا بخطه ولعله لم يجئ بدليل ما بعده.
(٤) ومثله في التهذيب.
(٥) عن اللسان ، وبالأصل : «النخر».