فهي اللَّابُ واللُّوبُ ؛ قال بِشْرٌ يذكرُ كَتِيبَةً (١).
مُعالِيَةٌ لا هَمَّ إِلّا مُحَجِّرٌ |
فَحَرَّةُ لَيْلَى السَّهْلُ منها فَلُوبُهَا |
وقال ابْنُ الأَثِيرِ : المدينةُ ما بَيْنَ حَرَّتَيْنِ عَظيمتين. وعن ابْن شُمَيْلٍ : اللُّوبَةُ تكونُ عَقَبَةً جَوَاداً أَطْولَ ما يكونُ وقال الأَزْهَرِيُّ : اللُّوبَةُ : ما اشْتَدَّ سَوَادُه ، وَغَلُظَ ، وانقَادَ على وجْه الأَرْضِ سَوَاداً (٢) وليس في الصَّمّانِ لُوبَةٌ ، لِأَنَّ حِجارَة الصَّمَّانِ حُمْرٌ ، ولا تكونُ اللُّوبَةُ إِلّا أَنْف الجَبل أَو سِقْط أَو عُرْضِ جبَلٍ.
وفي حديث عائشةَ ، وَوَصَفَت أَباها ، رضياللهعنهما «بَعِيدُ مَا بَيْنَ الّلابَتَيْنِ» أَرادتْ : أَنَّهُ واسعُ الصَّدرِ واسعُ العَطَنِ ، فاستعارت له الّلابَةَ ، كما يُقالُ : رَحْبُ الفِنَاءِ ، واسعُ الجَنَابِ.
ونقل شيخُنَا عن السُّهَيْلِيّ في الرَّوْض ما نصّه : الّلابَةُ واحدةُ اللَّابِ ، بإِسقاط الهاءِ ، وهي الحَرَّةُ ، ولا يقالُ ذلك في كُلِّ بلدٍ ، إِنَّمَا الّلابَتانِ للمدينةِ والكُوفَةِ. ونقلَ الجلالُ في المُزْهِرِ عن عبد اللهِ بْن بَكْرٍ السَّهْمِيِّ ، قال : دخلَ أَبِي علَى عِيسَى ، وهو أَمِيرُ ، البَصْرَة ، فعزّاهُ في طِفْلٍ ماتَ له (٣) ، ودخَلَ بعدَهُ شَبِيبُ بْن شَبَّةَ فقال : أَبْشِرْ ، أَيّها الأَميرُ ، فإِنّ الطِّفْلَ لا يَزالُ مُحْبَنْظِئاً (٤) على باب الجَنّة ، يقولُ : لا أَدْخُلُ حَتَّى أُدْخِلَ والِدَيّ. فقالَ أَبي : يا أَبا مَعْمَرٍ ، دَعِ الظّاءَ ، يعني المُعْجَمَةَ ، والْزَمِ الطّاءَ. فقال له شَبِيب : أَتقولُ هذا وما بينَ لابَتَيْهَا أَفسحُ مِنِّي؟ فقال له أَبي : وهذا خَطأٌ ثانٍ ، مِنْ أَيْنَ لِلبَصرةِ لابَةٌ؟ (٥) واللّابَة : الحِجَارَةُ السُّودُ ، والبَصْرَةُ الحِجَارَةُ البِيضُ. أَورد هذه الحكايةَ ياقوتٌ الحَمَويّ في معجم الأُدَبَاءِ ، وابْنُ الجَوْزِيّ في كتاب الحَمْقَى والمُغَفَّلِينَ ، وأَبو القاسمِ الزَّجَّاجِيُّ في أَماليه بسنده إِلى عبد الله بْنِ بكرِ بْنِ حَبِيبٍ السّهْمِيِّ. انتهى.
وسكَتَ عليه شَيْخُنا ، وهو منه عجيبٌ : فإِنّ اسْتِعْمَالَ الّلابتَيْنِ في كُلِّ بَلَدِ واردٌ مَجازاً ، ففي الأَساس : الّلابةُ : الحَرَّةُ ، وما بَيْنَ لَابَتَيْهَا كفُلانٍ : أَصْله في المدينة ، وهي بين لابَتَيْنِ ، ثمّ جَرَى على (٦) الأَلْسِنَةِ في كُلِّ بَلَد. ثم إِنّ قولَ شيخِنا عندَ قولِ المُصَنِّف : وحَرَّم النَّبِيُّ ، صلىاللهعليهوسلم إِلخ : هذا ليس من اللُّغَة في شَيْءٍ ، بل هو من مسائلِ الأَحكام ، ومع ذلك ففيه تقصيرٌ بالغٌ ، لِأَنّ حَرَمَ المدينةِ محدودٌ شرقاً وغرباً وقِبْلَةً وشَآماً ، خَصَّه أَقوامٌ بالتّصنيف ، إِلى آخرِ ما قالَ ، يُشِيرُ (٧) إِلى أَنَّ المصنِّف في صدِد بيانِ حُدُودِ الحَرَم الشَّريف ، وليس كما ظَنَّ ، بل الّذي ذكرَه إِنّما هو الحديثُ المُؤْذِنُ بتحريمه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، ما بَيْنَ الَّلابَتَيْنِ كما لا يخْفَى عندَ مُتَأَمِّل ، تَبَعاً للجَوْهَرِيِّ وغيرِهِ ، فلا يلْزَمُ عليه ما نُسِبَ إِليه من القُصُور.
واللُّوباءُ ، بالضَّمِّ مَمْدُوداً : قيل هو اللُّوبِيَاءُ ، عندَ العامَّةِ يقالُ : هو اللُّوبِيَاءُ ، واللُّوبِيَا ، واللُّوبِياجُ ، مذكَّرٌ ، يُمَدُّ ، ويُقْصَرُ. وقال أَبو زِيَادٍ : هي اللُّوبَاءُ ، وهكذا تقولُهُ العرَبُ ، وكذلك قال بعضُ الرُّوَاة ، قال والعربُ لا تَصْرِفُهُ. وزَعَمَ بَعْضُهم أَنَّه يقالُ لها الثّامِرُ ، ولم أَجدْ ذلك معروفاً. وقال الفَرّاءُ : هو اللُّوبِياءُ ، والجُودِياءُ ، والبُورِياءُ : كلها على فُوعِلاءَ ، قال : وهذه كلُّهَا أَعْجَمِيّةٌ. وفي شفاءِ الغَلِيل للخَفاجِيّ ، والمُعَرَّبِ للجَوالِيقِيّ : إِنّه غيرُ عربيٍّ.
والمَلابُ : طِيبٌ ، أَي : ضَرْبٌ منه ، فارسيٌّ. زاد الجَوْهَرِيُّ : كالخَلُوقِ. وقال غَيْرُهُ : المَلَابُ : نوعٌ من العِطْر. وعن ابْنِ الأَعْرَابيِّ : يقالُ للزَّعْفَرَانِ : الشَّعَرُ ، والفَيْدُ (٨) ، والمَلابُ ، والعَبِيرُ ، والمَرْدَقُوشُ ، والجِسادُ. قال :
__________________
(١) بهامش المطبوعة المصرية : «قال في التكملة قوله يذكر كتيبة غلط ولكنه يذكر امرأة وصفها في صدر هذه القصيدة أنها معالية أي تقصد العالية ، وارتفع قوله معالية على أنه خبر مبتدأ محذوف ويجوز انتصابه على الحال».
(٢) نقل صاحب اللسان عبارة الأزهري بزيادة عما هنا فارجع إليه.
(٣) في معجم الأدباء ٧ / ٨٦ توفي ابن لبعض المهالبة فأتاه شبيب بن شيبة (شبة) المنقري يعزيه ...
(٤) في معجم الأدباء «محبنطئا» والمحبنطئ اللازق بالأرض.
(٥) في معجم الأدباء : ما للبصرة وللُّوب ، لعلك غرك قولهم : ما بين لابتي المدينة. يريدون الحرّة.
(٦) في الأساس : على أفواه الناس في كل بلدة.
(٧) بالأصل «يشعر» وما أثبتناه عن المطبوعة الكويتية فهو مناسب للسياق.
(٨) عن اللسان ، وبالأصل «الغيد» بالغين المعجمة.