فقائِبَةٌ ما نَحنُ يَوْماً وأَنْتمُ |
بَنِي مَالِكٍ إِنْ لم تَفِيؤوا وقوبُها |
يُعاتِبُهُمْ على تَحوُّلهِم بنَسبِهم إِلى اليَمَن ، يقولُ : إِن لم تَرجِعُوا إِلى نَسَبكم ، لم تَعودوا إِليه أَبَداً ، فكانت ثَلْبَةَ (١) ما بيننا وبينكم ، وسُمِّيت (٢) البَيْضَةُ قُوباً لانْقِيابِ الفَرْخِ عنها.
ووَقعَ في شِعْرِ الكُمَيْتِ :
لَهُنَّ وللمَشِيبِ ومَنْ عَلَاهُ |
مِن الأَمْثَالِ قَائِبةٌ وقُوبٌ |
مَثَّلَ هَرَبَ النِّسَاءِ من الشُّيُوخ بهَربِ القُوب ، وهو الفرُخُ ، من القائِبَة ، وهي الْبَيضة ، فيقول : لا تَرْجِعُ الحسناءُ إِلى الشَّيْخ كما لا يَرْجِعُ الفرْخُ إِلى البَيضة. وفي حديثِ عُمَرَ ، رضياللهعنه «أَنَّه نَهَى عن التَّمَتُّعِ (بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) ، وقال : إِنّكُم إِنِ اعْتَمَرْتُم في أَشْهُرِ الحَجّ ، رأَيْتُمُوهَا مُجْزِئَةً من (٣) حجِّكُمْ ، فَرَغَ (٤) حَجُّكُمْ ، وكَانَتْ قائِبَةً من قُوبٍ» (٥) ضرب هذا مثلاً لِخَلاءِ (٦) مكَّةَ من المعتمِرينَ سائرَ السَّنَةِ.
والمعنى : أَنَّ الفرخَ إِذا فارَقَ بَيْضَتَهُ لم يَعُدْ إِليها ، وكذلك إِذا اعتمَرُوا في أَشْهُرِ الحجِّ لم يَعودُوا إِلى مَكَّةَ. قال الأَزْهَرِيُّ : وقيل للْبَيضةِ قائبةٌ ، وهي مَقُوبَةٌ ، أَراد أَنَّهَا ذاتُ فَرْخٍ ، ويقال إِنّها (٧) قَاوِبَة إِذا خَرَجَ منها الفَرْخُ ، والفَرْخُ الخارِج يُقال له القُوبُ والقُوبِيُّ. هذه نصوصُ أَئمّةِ اللّغةِ في كُتبهم.
ونقل شيخُنا عن أَبي عليّ القالي ما نصُّه : ويقولون : لا والّذي أَخرَجَ قائبةً من قُوبٍ ، يَعْنُونَ فَرْخاً من بَيضةٍ قال : فهذا مُخَالفٌ لِمَا ذكرناه ، وقد اعترضَه أَبو عُبَيْدٍ البَكْرِيُّ ، وقال إِنَّه قلب.
والمُتَقَوِّب : المُتَقَشِّرُ.
والأَسْوَدُ المُتَقَوِّب : هو الَّذِي سَلَخَ جِلْدَهُ من الحَيَّاتِ. والمُتَقَوِّبُ : مَن تَقَشَّرَ (٨) عن جِلْدِهِ الجَرَبُ ، وقال اللَّيْث : الجَرَبُ يُقَوِّبُ جِلْدَ البعير ، فترى فيه قُوباً قد انجردتْ من الوَبَر ، وانْحَلَقَ شَعرُهُ عنه ، وهي القُوبَةُ بالضَّمّ مع تسكين الواو ، والقُوَبَة ، بتحريك الواو ، وكلاهما عن الفراءِ ، والقُوبَاءُ ، والقُوَباءُ بالمَدِّ فيهما ، وقال ابْنُ الأَعْرَابيِّ : القُوباءُ واحدةُ القُوبَةِ والقُوَبَةِ. قال ابن سِيدَهْ : ولا أَدري كيف هذا ، لأَنّ فُعْلَةً وفْعَلَة ، لا يكونانِ جمعاً لفُعْلاءَ ، ولا هما من أَبنية الجَمْع. قال : والقُوَبُ جمعُ قُوبَةٍ وقُوَبَةٍ.
قال : وهذا بَيِّنٌ ، لأَنّ فُعَلاً جمعٌ لِفُعْلَة وفُعَلَةٍ.
وقَوَّبَهُ ، أَي : الشَّيْءَ تَقْوِيباً : قَلَعَهُ من أَصلِه ، فَتَقَوَّبَ : انقلعَ من أَصله ، وتَقَشَّر. ومنه القُوبَاءُ والقُوَبَاءُ ، وهو الَّذِي يَظْهَرُ في الجَسَدِ ويَخْرُجُ عليهِ. وقالَ الجَوْهَرِيُّ : داءٌ معروفٌ ، يَتَقَشَّرُ ويَتَّسِع ، يُعالَجُ بالرِّيقِ ؛ وهي مؤنَّثَةٌ لا تَنصرف ، وجمعُها قَوْبٌ : قال [ابن قنان].
يا عَجَباً لِهذِه الفَلِيقَهْ |
هَلْ تَغْلِبَنَّ القُوَباءَ الرِّيقَهْ (٩) |
الفَلِيقَة : الدّاهيةُ. والمعنى أَنَّه تَعَجَّبَ من هذا الحُزاز الخبيث كيف يُزِيلُهُ الرِّيق ، ويقال إِنّه مختصٌّ برِيقِ الصائمِ ، أَو الجائع. وقد تُسَكَّنُ الواوُ منها ، استثقالاً للحركة على الواو ، فإِنْ سَكَّنْتَهَا ، ذَكَّرْتَ وصَرَفْت ، والياءُ فيه للإِلْحاق بقِرْطَاسٍ ، والهمزةُ منقلِبةٌ منها.
وقال الفَرَّاءُ : القُوباءُ تُؤنَّثُ ، وتُذَكّرُ ، وتُحَرَّك ، وتُسَكَّنَ ، فيقال : هذه قُوَباءُ ، فلا تُصْرَفُ في معرفةٍ ولا نكرةٍ ، ويُلْحَقُ (١٠) بباب فُقَهاءَ ، وهو نادر : وتقولُ في التَّخْفِيف هذهِ قُوباءُ فلا تُصْرَفُ في المعرفة ، وتُصْرَفُ في النَّكِرَة ؛ وتقول : هذِه قُوباءٌ ، تَنصرف في المعرفةِ والنَّكْرَةِ ، وتُلْحَقُ ببابِ طُومارٍ.
قال ابْنُ السِّكِّيتِ : ولَيْسَ في الكَلامِ فُعْلاءُ مضمومَة الفاء ساكِنَةَ العَيْنِ ممدودةً (١١) غيَرَها ، والخُشَّاءِ وهو العَظْمُ النّاتِئ وراءَ الأُذُنِ ، قال : والأَصلُ فيهما تحريكُ العينِ خُشَشَاءُ وقُوَباءُ.
__________________
(١) في التهذيب «بلية».
(٢) في اللسان : «وسمي الفرخ قوباً لانقياب الفرخ عنها».
(٣) النهاية : عن.
(٤) النهاية : «فقرع» أي خلت أيام الحج من الناس واجتزأوا بالعمرة.
(٥) النهاية : قائبة قوب عامها.
(٦) النهاية : لخلو.
(٧) اللسان : ويقال لها.
(٨) في القاموس : «ومن تقلَّع» ومثله في اللسان.
(٩) في التهذيب «ينفعنّ» بدل «تغلبن» وفي المقاييس : هل تذهبنّ.
(١٠) اللسان : وتلحق.
(١١) في اللسان : ممدودة الآخر.