لا تَطْعَمُ المِسْكَ والكَافُورَ لِمَّتُه |
ولا الذَّرِيرَةَ إِلَّا عُقْبَةَ القَمَرِ |
هو لبَعْضِ بَنِي عَامر. يقول : يَفْعَلُ ذلِكَ في الحَوْلِ مَرَّةً ، ورواية اللِّحْيَانِيّ عِقْبَة ، بالكَسْر ، وهذا مَوْضِع نَظَرٍ ؛ لأَنَّ القَمَر يَقْطَع الفَلَك في كُلِّ شَهْر مَرَّة ، وما أَعْلَم ما مَعْنَى قَوْله : يُقَارن القَمرَ في كُلِّ سنَةٍ مَرَّةً. وفي الصِّحَاح يقال : ما يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا عُقْبَةَ القَمَرِ ، إِذَا كان يَفْعَلُه في كُلِّ شهرٍ مَرّة ، انتهى.
قال شيخُنا : قلتُ : لَعَلَّ مَعْنَاه أَنَّه وإِن كان في كُلِّ شَهْر يَقْطَعُ الفَلَك مَرَّة إِلا أَنّه يَمُرُّ بَعِيداً عن ذلك النَّجْم إِلّا في يوم مِن الحَوْل فيُجامِعُه ، وهذا ليس بَعِيداً لِجَوَازِ اختلافِ مَمَرِّه في كُلِّ شهر لِمَمَرِّه في الشَّهْر الآخَرِ ، كَمَا أَوْمَأَ إِليه المَقْدِسيُّ وَغَيْرُه ، انتهى.
والعَقَبَة بالتَّحْرِيك : مرقًى صَعْبٌ من الجبَالِ ، أَو الجَبَلُ الطَّوِيلُ يعرِضُ للطَّرِيقِ فيأْخُذُ فِيهِ وهو طَوِيل صَعْبٌ شَدِيدٌ وإِن كَانَت خُرِمَت (١) بَعْدَ أَن تَسْنَد (٢) وتَطُولَ في السّماءِ في صُعُود وهُبُوط [أَطولُ من النَّقْبِ و] (٣) أَصْعَبُ مُرتَقًى ، وقد يكون طُولُهما (٤) واحِداً. سَنَدُ النَّقْبِ فيه شيءٌ من اسلِنْقاءٍ ، وسَنَدُ العَقَبة [مُسْتَوٍ] (٥) كهَيْئة الجِدَارِ.
قال الأَزْهَرِيُّ : ج العَقَبَة عِقَابٌ وَعَقَبَاتٌ. قلت : وما أَلْطَفَ قَوْلَ الحافِظِ بْنِ حَجَرٍ حِينَ زَار بَيْتَ المَقْدِسِ :
قَطَعْنَا في مَحَبَّتِه عِقَاباً |
وما بَعْدَ العِقَابِ سِوَى النَّعِيم |
ويَعْقُوب اسْمُه إِسْرَائِيل أَبو يُوسُفَ الصِّدِّيقِ عَلَيْهِمَا السَّلَام ، لا يَنْصَرِف في المَعْرِفة للعُجْمَة والتَّعْرِيفِ ؛ لأَنَّه غُيِّر عن جِهَتِه فوَقَع في كَلامِ العَرَب غيرَ مَعْرُوفِ المَذْهَب (٦) ، كذا قالَه الجَوْهَرِيّ ، وسُمِّي يَعْقُوبُ بهذا الاسم لأَنه وُلِدَ مع عِيصُو في بَطْنٍ وَاحِد ، وُلِدَ عِيصُو قَبْلَه وَكَانَ يعقوبُ مُتَعَلِّقاً بعَقِبِهِ خَرجَا معاً ، فعِيصو أَبُو الرُّوم.
وفي لسان العرب : قال اللهُ تَعَالَى في قِصَّة إِبراهِيمِ عَلَيْهِ السَّلَام : (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) (٧) زعم أَبو زَيْد والأَخْفَشُ أَنه منصوبٌ وهو في مَوْضِع الخَفْضِ ، عَطْفاً على قوله (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ ، وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ). قال الأَزْهَرِيُّ : وهذا غيرُ جَائِز عند حُذَّاقِ النَحْوِيِّين من البَصْرِيّين والكُوفِيِّين. وأَما أَبو العَبَّاس أَحمد بْنُ يَحْيَى فإِنّه قال : نُصِب يَعْقُوبَ بإِضمَار فِعْل آخَرَ كأَنه قال : فبَشَّرنَاها بإِسحاقَ وَوَهَبْنا لها من وَرَاءِ إِسْحَاق يَعْقُوبَ ، ويعقوبُ عنده في مَوْضِع النَّصب لا في مَوْضِع الخَفْض ، بالفعل المُضْمَر ، ومثله قَوْلُ الزَّجَّاج ، وابْنُ الأَنْبارِيّ قال : وقَولُ الأَخفش وأَبِي زيْد عِنْدَهم خَطَأٌ.
واليَعْقُوبُ باللام ، قال شيخُنَا : هو مَصْروفٌ ، لأَنّه عَرَبِيٌّ لم يُغَيَّر وإِن كان مَزِيداً في أَوَّلِه فلَيْس على وَزْنِ الفعْل وهو الذَّكَر من الحَجَل والقَطا ، قال الشاعر :
عَال يُقَصِّرُ دُونَه اليَعْقُوبُ
والجَمْعُ اليَعاقِيبُ. قال ابن بَرِّيّ : هذا البيتُ ذكرَه الجَوْهَرِيّ على أَنَّه شَاهِدٌ على اليعْقُوب لذَكَرِ الحَجَل ، والظاهِرُ في اليَعْقُوب هَذَا أَنَّه ذَكرُ العُقَابِ ، مثل اليَرْخُوم ذَكَر الرَّخَم ، واليَحْبُور ذَكَر الحُبَارَى ؛ لأَن الحَجَل لا يُعرَفُ لها مثْلُ هَذَا العُلُوِّ في الطّيَرَانِ ، ويَشْهَدُ بِصِحة هذَا القَوْلِ قولُ الفَرَزْدَق :
يوماً تَركْن لإِبْرَاهِيم عافِيَةً |
من النُّسُور عَلَيْه واليَعَاقِيبِ |
فذَكَر اجتماعَ الطَّيْر على هَذَا القَتيل من النُّسُور واليَعَاقِيب ، ومَعْلُومٌ أَن الحَجَل لا يَأْكُلُ القَتْلَى.
وقال اللِّحْيَانِيُّ : اليَعْقُوبُ : ذَكَر القَبْجِ ، قَالَ ابنُ سِيدَه : فلا أَدْرِي ما عَنَى بالقَبْجِ ، أَلْحَجَلَ أَم القَطَا أَم الكِرْوَانَ (٨).
والأَعرفُ أَنَّ القَبْجَ الحَجَلُ ، وقيلَ اليَعَاقِيبُ [من] (٩) الخَيْل
__________________
(١) عن اللسان ، وبالأصل «حرمت».
(٢) في التهذيب : تشتد.
(٣) زيادة عن اللسان.
(٤) عن اللسان ، وبالأصل «طولها».
(٥) زيادة عن اللسان.
(٦) عن الصحاح ، وبالأصل «المزيد» وأشار إليه بهامش المطبوعة المصرية.
(٧) سورة هود الآية ٧٣.
(٨) الكِروان جمع الكَرَوان على غير قياس.
(٩) زيادة عن اللسان.